لعل الأهمية التى تكتسبها كلمة الرئيس تجعل الكثيرين ينظرون إليها باعتبارها خارطة طريق لسياسة مصر الداخلية والخارجية، أى أنها ليست مجرد كلمة بروتوكولية فى محفل دولى.
العالم كله، شعوباً ورؤساء، كانوا ينتظرون ليعرفوا كيف ستدار مصر فى الفترة المقبلة فى ظل رئاسة وقيادة الرئيس السيسى، هذا الجنرال، من وجهة نظرهم، الذى أخذ الغرب وأمريكا موقفاً معادياً منه بعد ثورة 30 يونيو.
لذا حملت هذه الكلمة فوانيس كثيرة أضاء كل منها بقعة مظلمة فى منطقة ما من العالم.
الفانوس الأول: توقع البعض بل كانت هناك كتابات فى صحف عالمية تشير إلى أن الرئيس أمامه مهمة الدفاع عن ثورة 30 يونيو وأن ما فعله ليس انقلاباً بل هو انحياز إلى إرادة شعبية جارفة، وفعلاً قفز الرئيس فوق هذا التوقع، ولم يتورط منذ بداية كلمته فى اتخاذ موقف المدافع عن ثورة شعبه أو عن سلوكه كقائد شعبى، لذا بدأ كلمته بتلك الجملة «قد بدأ العالم فى إدراك حقيقة ما جرى فى مصر، الحقيقة التى دفعت الشعب للانتفاض ضد قوى التطرف والظلام»، وهنا رسالة مضمرة يفهمها السياسيون، وهى إدانة موقف الغرب وأمريكا، خصوصاً الذى كان وما زال داعماً لجماعة الإخوان فى الوقت الذى يطلب فيه الغرب نفسه وأمريكا من مصر الدعم والوقوف ضد قوى مثل داعش تتشابه مع نهج الإخوان وغيرهم.
الفانوس الثانى: وهو ذلك الفانوس الذى يجيب عن سؤال طرح كثيراً فى أروقة الغرب السياسية، وهو ما ملامح تلك الدولة التى يسعى النظام الجديد فى مصر لتأسيسها؟
لذا أجاب «السيسى» بدقة عن هذا السؤال، وهو أن الهدف والغاية هو بناء دولة مدنية ديمقراطية، ولم يقف عند حدود العنوان بل راح يرسم بدقة، ملامح تلك الدولة هى: دولة تحترم الحقوق والحريات، تضمن العيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز، تحترم سلطة القانون وتضمن حرية الرأى وتكفل حرية العقيدة والعبادة.
وهنا يجيب عن سؤال القلق الغربى تجاه الحريات والإقصاء والعبادة وسلطة القانون.
الفانوس الثالث: وهو مرتبط بما سبق فهو لم يقدم ملامح تلك الدولة فقط بل يسعى لتحقيقها، وهذا التحقيق مرهون بالوعى فى معرفة السبب الحقيقى، وهو التنمية، لذا يشير فى كلمته إلى مشروع التنمية طويل الأمد حتى 2030، يستهدف الوصول إلى اقتصاد سوق حرة، وهذا النوع من الاقتصاد هو الذى يريده ويدعمه الغرب.
ويكمل بأنه قد بدأ فعلاً بإطلاق مشروع القناة، بل يقدمه هدية للغرب باعتباره سيثرى ويخدم حركة التجارة العالمية، ثم يدعو، ولم يطلب، وهذا مهم للتأكيد على كرامة الدولة والشعب بأننا لسنا متسولين، يدعو الجميع للمشاركة فى المؤتمر الاقتصادى الذى سيعقد فى فبراير المقبل.
الفانوس الرابع: يؤكد أن ما سبق الإشارة إليه هو ليس اجتهاداً شخصياً من رئيس بل هو تنفيذ لمبدأ العقد الاجتماعى الذى توافق عليه المصريون فى دستورهم الجديد، وهنا يقدم نفسه كموظف لتطبيق الدستور الذى يسعى لتحقيق دولة المؤسسات وسيادة القانون، ويُفعل مبدأ الفصل بين السلطات، وهنا يقر الرئيس بأنه ليس صاحب سلطة شمولية بل هو جزء من تنفيذ قيمة الفصل بين جميع السلطات.
الفانوس الخامس: جزء من مهمة هذه الدولة المرتجاة هو الوقوف فى وجه الإرهاب ودحره، ثم يقول: «الإرهاب الذى عانينا منه منذ عشرينات القرن الماضى»، وهنا دلالة مهمة فى تحديد هذا التاريخ، لأنه يرتبط بتأسيس جماعة الإخوان عام 1928، ولو أراد أن يشير إلى بداية أولى عمليات الإخوان الإرهابية لأشار إلى الأربعينات، وهو تاريخ اغتيال «النقراشى».
يكمل فى هذه الرؤية التأكيد على أن الغاية التى يسعى الإرهاب لتحقيقها هى السعى للحكم وتأسيس دولة الخلافة، وهذا المصطلح معروف، وله حساسيته عند الغرب، انطلاقاً مما يفعله تنظيم «داعش» الإرهابى «الدولة الإسلامية فى العراق والشام».
ويكمل الرئيس بأنه لا ينبغى السماح بالإساءة للدين الإسلامى الحنيف ولمليار ونصف المليار مسلم فى العالم، فالدين أسمى وأقدس من أن يتم الحكم عليه بالنجاح والفشل.
وهنا دلالة مهمة وتقديم آخر، فهو يتحدث هنا باسم مصر الإسلامية، كما تحدث باسم مصر العربية، ومصر الأفريقية.
الفانوس السادس: وفيه حدد بدقة الأزمات التى تضرب المنطقة، وفسر أسبابها بأنها نتيجة إفساح المجال أمام قوى التطرف والإرهاب ثم الاقتتال والانقسام. ثم راح يحدد بدقة شديدة طريقة المواجهة وسبل الحل حين أشار إلى محورين للحل، وهو بناء الدولة القومية والقوية، أى أنه ضد التقسيم أو التفتيت أو حل الجيوش الوطنية وإضعافها، ثانياً المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب. ثم أشار مباشرة إلى أن مصر بدأت بالفعل تنفيذ استراتيجية الحل هذه مع ليبيا، ثم يشير بذكاء دون مبالغة فى التحمل أو تبنى وجهات نظر عنترية يشير إلى سوريا والعراق وفلسطين ومن ثم أفريقيا.
الفانوس السابع: وهنا يجيب عن سؤال طرحه الغرب: كيف ستدير علاقتك كرئيس مصر مع العالم وخصوصاً الغرب؟
فيقول إن رؤية مصر للعلاقات الدولية تقوم على احترام مبادئ القانون والمعاهدات والمواثيق الدولية القائمة على الاحترام المتبادل، ثم يدعو فى الختام إلى دعم الترشح للعضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن «2016/2017».
وفى النهاية أعلنها مدوية «تحيا مصر».