أم المجندَيْن: «إيد بتوزع الرحمة على الأول.. وإيد بتدعى ربنا يسلم التانى»
بحزن وأسى، تجلس السيدة الخمسينية يومياً وسط فرشتها بشارع البحر الأعظم، إلى جوار الفاكهة والفرشة تضع عدة «الشاى باللبن»، حين يسألها مار عن السبب تسبق الدموع إجابتها: «باوزّعه رحمة ونور على ابنى المجند بالقوات المسلحة اللى بقى شهيد».
كلما اقترب منها زبون تبادره: «اتفضل اشرب وماتكسفش إيدى، بس ادعى لابنى الأول»، طلب الدعوة من زبائنها اعتاد عليه رواد المنطقة واعتادوا تلبيته قبل تناول كوب الشاى باللبن المجانى: «مفيش غير الدعاء لابنى ومحتسباه شهيد، إحنا ناس على قد حالنا وهو كان بيعمل الواجب اللى عليه وربنا أرحم عليه منى، ويكفينى إنى أسمع الناس بتدعى له».
اشمعنى شاى بلبن؟ لم تمل «كاميليا» سماع السؤال ولا إجابته، فقد كان المشروب المفضل لشهيدها: «محمد كان يصحى يشربه وقبل ما ينام يشربه، لدرجة إنه كان بيشربه بعد الغدا كمان بدل الشاى السادة، عشان كده مالقتش قدامى غير كل ما حد ييجى يشترى منى أعزم عليه بكباية وأخليه يدعى له»، مضيفة: «فيه ناس مابترضاش تشرب فباديهم على كل كيلو تفاحة وأطلب منهم برضه يدعوا لابنى».
لم تقصد السيدة الخمسينية من توزيع «الشاى باللبن» ابنها فقط، إنما اعتبرتها صدقة جارية طوال عمرها على أرواح شهداء القوات المسلحة كلهم: «هما كلهم ولادى وحاسة بأهلهم كلهم، عشان كده باوزّع بنية على روح ابنى وكل اللى زيه اتقتل غدر واتحرق قلبنا عشانهم». «كامليا» التى عانت من الحزن والهم على فراق ابنها الأكبر تزيد عليها الهموم خوفاً على ابنها الثانى المجند بالجيش: «الفرق بين محمد وإسلام سنة، وابنى التانى دخل الجيش من أيام، ومن يوميها وبادعى له ومحتسباه شهيد من لحظتها، طول النهار أدعى للأولانى بالرحمة، وللتانى إنه يرجع لى سالم».