(صندوقى الأسود.. لوجه الله وللحقيقة يحسنُ البوحُ والاعتراف)، كتاب للصحفية والكاتبة الأستاذة «ناهد إمام» تحكى فيه تجربتها بجرأة عن سنوات انضمامها للتيارات الدينية، وارتداء النقاب، ومخاصمة المجتمع من أجله، تحكى كيف نابت النوائب، ونبتت النوابت، ثم أكرمها الله بأن خرجت من قومٍ مردوا على التلون والاستعلاء، وأزالوا ما وَقَرَ فى نفوس الناس من حبٍ فطرى للاعتدال والذوق والجمال، فعرضت التجربةَ فى كتابها ذى الأهمية، وتحملت فى سبيل ذلك سيلاً من البذاءات من التيارات الدينية، مما لا يرقى لأدب الحُطيئة ودعبل، فرفع المتطرفون والمتطرفات عقائرَهم لمنابذتها، مرة بالسخرية، ومرة بالتهكم؛ لأن الكتاب يهدم أفكارهم الرجعية، ولكن المؤلفة كانت ذا صلابة وقوة، وعزيمة وصبر، لم تثنها سوقيةُ بعض دعاة التدين، وأعطت الأمل لمن يريد الخروج من سجن التدين الضيق إلى رحب التدين النابع من رُقى الإسلامِ ونورهِ وسعته.
قال المفكر الكبير «د. محمد المهدى» مقدماً للكتاب: «نحن أمام حالة من البوح عن مكنون نفس، وليست أى نفس، بل نفس امرأة، والمعروف أن النساء لا يعترفن بأسرارهن، وإن اعترفن ففى الغرف المغلقة، أما حين تكون الاعترافات فى كتاب فهو يحتمل أقصى درجات الشجاعة، ويغطى الكتابُ مرحلةً زمنيةً شهدت اضطرابات فى الهُوية المصرية انعكست على الكاتبة، ونجحت فى المزج بين ما هو شخصى وعام فى بناءٍ أدبى محكم وشائق».
أذكرُ أن الشيخ الشعراوى قال: إن بعض السيدات ممن يلتحقن بهذه التيارات يعانين من عُقدٍ نفسية، هذا الذى قاله رصدته المؤلفة بدقة، فعرفت «عزة الجرف» ورأت نرجسيتها القاتلة فى كبرياء صاغر، والتخويف لأى فتاة تفكر فى ترك الجماعة: (الجماعة تنفى خبثها)، (أنتِ لا شىء بدون الجماعة).
عاشت الكاتبة وسط المنتقبات، حملت همَّهن، عرفت نفسيتَهن، رأت عقولَهن، فكتبت عن طريقة التفكير والتكوين والتأثير لهذه الجماعات، وما يموج به عالم المنتقبات، فقالت: «المنتقبات، لا سيما فتيات الجامعة، كن يتهافتن على صداقتى، معتبرات أن وجود صحفية منتقبة مثلى نصر عظيم للدين!، لكن بعد سنوات تبين لى أن النقاب لا يجلبُ فضيلة، ولا يمنعُ شبهة، والمنتقبات يكذبن، ويصدقن، ويغدرن، وأيضاً بينهن الخلوقة الكريمة، وقد رأيت حالات الجوع العاطفى والتشوه المعرفى لدى عدد من صديقاتى المنتقبات».
وعن التزاوج بين شباب التيارات الدينية قالت كلاماً يستحق أن يُسجل ويذاع: «داخل هذا العالم يكون الزواج وفق ترشيحات الجماعة، فالإخوانى يتزوج إخوانية، والمسموح به فقط اختيار المواصفات الجسدية، وهنا تبدأ المأساة، فطريقة تفكير الشباب الإخوانى (وكذا السلفى) لا تختلف عن طريقة تفكير الشباب غير المتدين، من وجود نظرة عنصرية للفتاة السمراء، فأغلبهم يريد «البيضاء»، ولا يسأل عن الانسجام العقلى أو توافق الطباع، ومن ثَم كان على الفتاة السمراء مثلى أن تنتظر فى نهاية الطابور، وهذا جعل الصورةَ النقيةَ تنهار أمامى، فالحديث عن «تقوى» و«دين»، و«ثقافة الزوجة» كلام نسمعه فى الدرس فقط، أما الواقع فالشاب يريد الأخت الجميلة البيضاء، إنهم يحملون أنماط تفكير عنصرية مرضية بلا فارق عن غيرهم، وكانت ممارسات الأخوات تعزز هذه الفكرة، وأما معيار التقوى وثراء الروح والعقل فهو للاستهلاك فقط».
تلك صفحة واحدة من صفحات كتاب (صندوقى الأسود)، الذى تلقاه الشباب والفتيات بشغفٍ وامتنان، إذ قدمتْ فيه مؤلفتُه شهادةً لله وللتاريخ، وتجربة لكل فتاة وقعت فى براثن هذه الأفكار، وحبست نفسَها فى هذا السجن الضيق المتزمت، ولكل واحد ضُرب بينه وبين عقله بأسداد من حديد