بوجه عابس وملامح متوترة يصل «أردوغان» إلى مقر الرئاسة. يدخل مسرعاً إلى مكتبه. لا ينظر إلى من حوله، ولا يصافح منتظريه. يجلس على مكتبه الوثير ويبدأ فى قراءة التقارير عن الوضع الأمنى والسياسى. يقف عند ملف هجوم أعضاء من حزب العمال الكردستانى على نقطة عسكرية تركية فى إحدى المناطق المتوترة داخل الحدود التركية. يبدأ فى الصراخ، ويلقى بالملف فى وجه مدير المخابرات، ويبدأ رئيس وزرائه، أحمد داود أوغلو، فى لملمة الأوراق المبعثرة من بين جنبات المكتب، وحاول وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، أن يهدئ من غضب أردوغان دون جدوى. ظل يصرخ ويتوعد الأكراد بالانتقام، ويصرخ ويصرخ ويقول: لا يجب أن ينسى هؤلاء ماذا فعل أجدادى العثمانيون بالأرمن، سوف أجعل للأكراد مأساة يذكرها التاريخ مثلما فعل أجدادى العظام مع الأرمن! استدار وهمّ بالجلوس مرة أخرى وقال: «لقد نفذ عبدالله أوجلان تهديداته»، لقد انهار اتفاق السلام مع حزب العمال الكردستانى. لقد رجعوا إلى حمل السلاح مرة أخرى، ماذا نفعل؟ نحن فى ورطة، فى مأزق، الأمور كلها تسير عكس الاتجاه، فى «كوبانى» الأمور تزداد تعقيداً، «داعش» تحاصر، وجنودى يلتقطون الصور معهم تنفيذاً لتعليماتى، والأكراد يضغطون فى الداخل، والتحالف يضغط فى الخارج، ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية. ينهض مسرعاً، ويقف فى منتصف المكتب، ويبدأ فى البكاء، ويقول: «رحم الله شهداء رابعة»، ويرفع شارة رابعة بكلتا يديه، ويطالب الحضور برفع أيديهم، ثم يواصل: ما يجرى فى مصر انقلاب، والسيسى رئيس غير شرعى، مرسى هو الرئيس، ثم يعود إلى مكتبه مسرعاً ويتصل بأمير قطر، يطلب منه التوسط لدى أبوبكر البغدادى بألا يتقدم بقواته لاحتلال باقى مدينة كوبانى، كما يطلب منه شن حملة إعلامية عبر قناة الجزيرة و«سى إن إن» وجريدة الجارديان ضد الأكراد، الأمير يطلب منه الانتظار قليلاً حتى يراجع الموقف مع الرفاق والحلفاء فى تل أبيب وواشنطن. يعود أردوغان إلى منتصف المكتب ويقول إن «كوبانى» ربما تكون مكاناً مناسباً لإقامة سرادق العزاء! يسأله أوغلو، رئيس الوزراء، وأوغلو، الوزير: أى عزاء؟ يقول: للانقلابيين. يكررون السؤال والاستغراب: أى انقالبيين؟ يقول: فى كوبانى إما أن يموت «البغدادى» وإما أن يموت «أوجلان»! مصلحة تركيا فى أن يموتا معاً، ولكن من يستطيع أن يقضى على داعش؟ نحن لا نستطيع أن نقوم بذلك بمفردنا، وإذا اشتبكنا معهم على الحدود ستتحول الأراضى التركية إلى مكان ملائم للتمدد الداعشى، وساعتها لن يرحمنا الأكراد، ولا أستبعد تحالفهم مع الدواعش، وإذا قاتلنا الأكراد فى كوبانى انقلب علينا أكراد العراق وتركيا وسوريا وإسرائيل وأمريكا، ولا أستبعد أن ينضم الدواعش إلى الأكراد، يبدأ أردوغان فى الهدوء نتيجة كلمات «أوغلو» الناعمة والتى بدأها بقوله: نحن نعيش لعنة التاريخ، فأجدادنا تركوا لنا إرثاً من الكراهية والمذابح والديون اللاإنسانية مثل الأرمن والأكراد، ونعيش لعنة الجغرافيا بهذه الحدود الجغرافية فى المنطقة الملتهبة، ولعنة السلطة التى تطاردنا منذ سقوط الإخوان فى مصر، أقترح عليك يا سيدى الرئيس أن تدعو إلى مؤتمر عاجل لنصرة الإخوان بعنوان «عودة مرسى قبل نهاية العام»، وهذا المؤتمر سيعيدك إلى مربع الزعامة من جديد. تهلل وجه «أردوغان»، وقال له الحضور: اهدأ وتهلل، وسأله «أوغلو»: تشرب حاجة يا ريس؟ قال له: أشرب قهوة «كردى» سادة.