"الشهداء" في قصائد الشعراء.. نشيد لا يموت
ومن بين ثنايا السماء الواسعة أشرقت أشعة الشمس، ذلك اليوم، باهتة منكسرة، على وجوه سمراء لفحتها حرارة حارقة، وعيون ساهرة باتت تحرس في سبيل الله، ابتسامات بريئة لشباب في عمر الزهور يحملون الخير والوطن في خريطة منقوشة على جدران قلوبهم، نفوس تحمل طيبة وادي النيل تؤدي واجبها الوطني، في حياة لم ترسم ملامحها بعد.. تنطلق رصاصات الغدر وتسلب منهم أحلامهم وآمالهم، ليعودوا بعدها لأهلهم في أكفان بيضاء كبياض قلوبهم وأحلامهم.
وتتساقط الدموع عليهم حارقة، كشمس أغسطس، مالحة كالبحر الميت، مختلطة بدماء طاهرة تصبغ الأرض بلون كئيب يبدو أنه لن يزول سريعًا، لتكتب به نشيدًا لا يموت.
كتب عدد كبير من الشعراء قصائد يخلِّدون فيها ذكرى شهداء سلبهم الغدر الحياة وتحمل بين طياتها أصوات المناضلين وصرخات الوطن وبكاء الأمهات.
محمود درويش قصيدة "عاد في كفن":
يحكون في بلادنا يحكون في شجن، عن صاحبي الذي مضى وعاد في كفن، كان اسمه.. لا تذكروا اسمه!، خلوه في قلوبنا لا تدعوا الكلمة تضيع في الهواء، كالرماد، خلوه جرحًا راعفًا... لا يعرف الضماد طريقه إليه، أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء".
ياسين خضر "الرصاصة الغادرة":
"يا رصاصة غادرة.. دخلت في قلب قلبي.. وقلبي من نارها اتحرق، يا نور عنيا اللي راح.. يا حلم عمري اللي فجأة مني اتسرق، آه يا ضنايا.. هقول لمين بعد منك.. مين يا واد هيحجج أمك".
هشام الجخ "انسحبوا":
"ارجع يا جندي بيادة دخل العدو العريش، ارجع خلاص بزيادة.. العسكري سامع لكنه واد مجدع شال آر- بي – جيهُه، وضحك إشمعنى أنا اللي أرجع؟، الدبابات كترت والكترة غلابة، والقلب لو مؤمن ولا ألف دبابة حتقولوا مات الولد أنا أقولكم لا.. عاش .. ما الجنة ولا فيها موت ولا تتدّخل ببلاش".
عبدالرحمن الأبنودي:
"ويا اللي قتلت المساكين، لا قُلتْ دُول مين ولا كَمْ؟ يا زارع الدمّ في الطين بكرة حيصْبَح شجر دم".
فؤاد حداد قصيدة "بالعبري الفصيح":
"ما بكيتش ولاّ بكيت ما نسيتش ولاّ نسيت بابصّ فجأة لقيت موتي بقوا أحياء، بحر البقر أطفال، وأبوزعبل العمال وسينا حاضنة رجال، مظاهرة الشهداء، بيصرخوا في دمنا ما تهربوش مننا إحنا اتقتلنا هنا يا أيها الجبناء".
أمل دنقل "مقتل القمر":
"وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس، في كل مدينة (قتل القمر) شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر، نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره، تركوه في الأعواد، وتدلت الدمعات من كل العيون كأنها الأيتام أطفال القمر، وترحموا وتفرقوا، فكما يموت الناس مات، وجلست أسأله عن الأيدي التي غدرت به لكنه لم يستمع لي، كان مات".
صلاح جاهين "الرباعيات":
"على رجلي دم.. نظرت له ما احتملت، على إيدي دم.. سألت ليه؟ لم وصلت على كتفي دم، وحتى على راسي دم، أنا كلي دم، قتلت؟ ولا اتقتلت؟ وعجبي".
سميح القاسم:
"خلو الشهيـد مكفنـًا بثيابـه، خلوه في السفح الخبيـر بمابـه، لا تدفنوه، وفي شفـاه جراحـه تدوي وصيـة حبـه وعذابـه، هل تسمعون؟ دعوه نسرًا داميـًا بين الصخور يغيب عن أحبابـه، خلوه تحت الشمس تحضن وجهه ريح مطيبـة بـأرض شبابـه، لا تغمضـوا عينيـه إن أشعـة حمراء ما زالـت علـى أهدابـه، وعلى الصخور الصفر رجع ندائه يا آبها بالمـوت لسـت بأبـه
خذني إلى بيتي، ارح خدي علـى عتباته، وأبـوس مقبـض بابـه، خذني إلى كرم أمـوت ملوعـًا مالم أكحـل ناظـري بترابـه".