مهرجان البحر الأحمر.. القضية الفلسطينية حاضرة بقوة رغم محاولات الطمس
علا الشافعي
دائمًا ما كانت قضية فلسطين حاضرة بقوة في السينما العربية من خلال معالجات مختلفة للقضية رصدتها السينما وأرخت لها ولمعاناة الفلسطنيين واغتصاب الأرض، والمقاومة الفلسطينية التي تبدلت صورها واختلفت، أحيانًا يكون الحضور قويًا وملفتًا للنظر وفي أحيان أخرى يكون خافتًا، ولكن في الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي ينعقد في الفترة من (6 ديسمبر وحتى الـ15 من الشهر نفسه)، تبدو فلسطين حاضرة من خلال تنويعات مختلفة ورؤى متباينة لعدد من المخرجين.
بعض هذه الرؤى جاءت مخيبة للآمال وتضرب في صلب القضية الفلسطينية، حيث تحمل معالجاتها الدرامية الكثير من الميوعة الفنية وتخضع لتوازنات وهوى التمويل الغربي، وكأنّ هناك «باترون» لرسائل فيلمين، من الأفلام المعروضة (صالون هدى، وأميرة) يتضمن ضرورة التعايش في مجتمع واحد نساء يعانينّ من الذكورية وهو ما يكون مبررًا لما يرتكبن من أفعال سواء كانت الخيانة أو الهرب، وهو ما تمّ التعاطي معه من خلال الفيلمين، والأخرى كانت واضحة وضوح الشمس وتؤرخ للقضية وما شهدته أرض فلسطين من احتلال وانتهاكات مختلفة (فيلم فرح للمخرجة الشابة الواعدة دارين سلام التي تقدم تجربتها الروائية الأولى).
عرض المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد فيلمه الجديد «صالون هدى» المأخوذة قصته من واقعة حقيقية عن امرأة فلسطينية صاحبة صالون تجميل يقع في بيت لحم، كانت تستخدمه لتخدير النساء والفتيات وتصويرهن في أوضاع مخلة، لتقوم باستغلالهنّ بعد ذلك للعمل لصالح مخابرات العدو الصهيوني. واحدة من هؤلاء الفتيات لم تتحمل الوضع وانتحرت تاركة رسالة كشفت فيها الحقيقة وروت ما تعرضت له.
من تلك الواقعة الحقيقية نسج أبو أسعد الصياغة الدرامية لفيلمه حيث تبدأ الأحداث مع ريم الشابة المتزوجة حديثًا (ميساء عبدالهادي)، وتحمل رضيعتها على كتفها وتذهب إلى هدى (منال عوض) التي تجمعها بها سابق معرفة، لتغيير في «لوك» شعرها وتبدأ هدي في سؤالها عن حياتها الزوجية، وهل تغير زوجها أم لا وتؤكد لها ريم أنها غير سعيدة لأنها محل شك من زوجها طوال الوقت.
تختار«هدى» نوعية واحدة من النساء وهن الباحثات عن الأمان والاحتواء، هي تختار من ذقن وجع الخذلان انطلاقا من تجربتها الشخصية مع زوجها.
وتضع هدى المخدر لـ«ريم» في فنجان القهوة، وبالفعل تصورها وتبدأ في ابتزازها، تخرج ريم من الصالون غير قادرة على استيعاب ما حدث معها، ومن تلك اللحظة تعاني «ريم» من صراعات مختلفة صراعها النفسي وما تعرضت له من اغتصاب تحت المخدر، وصرعها مع زوجها الذي يشك فيها باستمرار، وخوفها من أن تكشفها المقاومة وقتها ستوصم بالخيانة، رغم أنَّها فعليا لم ترتكب أي شيء حيث ألقت المقاومة القبض على هدى في اليوم التالي من ذهاب ريم إليها، لتسير الأحداث بعد ذلك في خطين متوازيين: ريم وصراعها متعدد الجوانب وبحث المقاومة عنها، والتحقيق مع هدى من جانب رجل المقاومة حسن (علي سليمان)، وهي المشاهد التى تم تصويرها بشكل مسرحي وفي مكان مغلق وبإضاء خافتة لتعكس حالة الاختناق أو الرغبة في الخلاص التي يعيشها كل من هدى الخائنة ورجل المقاومة الذي سبق وخان صديق عمره وأبلغ عنه.
تلك المشاهد كان من الممكن أن تنفذ بشكل أكثر جمالية وثراءً بصريًا ولكن للأسف جاء تنفيذها شديد السذاجة، وبحوار مباشر أقرب إلى لغة الخطابة، ويحمل إدانة للمقاومة، وللخائنة أيضًا حيث تقوم «هدى» المتهمة بخيانة شعبها بتشريح رجل المقاومة لدرجة أنَّها تقول له «لو ماكنا احنا مجتمع ظالم ما كان حصل فينا هيك)، وكأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كان لهذا السبب! وهل أصبحت الخيانة أمرًا يحتمل وجهات النظر؟».
فيلم «صالون هدى» مخيب للآمال حقًا ويجعلنا نتساءل عما جرى للمخرج صاحب «الجنة الآن»، و«عمر» الذي سبق وحصل على جوائز عالمية مهمة سواء الجولدن جولوب، أو من مهرجان كان السينمائي الدولي، فهل أصبح التواجد عالميًا أهم إليه من قضيته التي كانت هي مفتاح دخوله إلى العالم.
«صالون هدى» من تأليف وإخراج هاني أبو أسعد، وإنتاج أميرة دياب ومحمد حفظي وبطولة على سليمان، ومنال عوض وميساء عبد الهادي.
للحديث بقية عن فيلم «فرحة» الذي تروي مخرجته عن فلسطين التي نعرفها.