الموسيقى تخدم السياسة، ملك بريطانيا العظمى «جورج الأول»، وهو ألمانى الأصل، استعان فى القرن الثامن عشر بالموسيقار الألمانى الكبير «جورج هاندل» لتأليف «موسيقى الماء» وهى مقطوعة حماسية دعائية مدتها حوالى ساعة، كانت تعزفها فرقة من خمسين عازفاً، على متن قارب يسير بجانب سفينة تحمل الملك وأعوانه، وتمشى هى بطول نهر التايمز ليراها الجمهور ويستمع لتلك المقطوعة المميزة.
(الملك «جورج الأول» هو من وحد بريطانيا العظمى، وكان قبل تولى العرش دوق براونشفايغ لونيبورغ «هانوفر» بألمانيا، ولم يكن يجيد اللغة الإنجليزية، ولكنه أصبح ملكاً لبريطانيا لأنه القريب البروتستانتى الوحيد للملكة «آن ستيوارت» التى توفيت دون نسل، كما أن أقاربها فى إنجلترا جميعهم كانوا من الكاثوليك).
أما حرب فيتنام فقد سميت بحرب «الروك آند رول» لارتباطها بهذا النوع من الموسيقى، وكانت أغنية «علينا أن نهرب من هذا المكان»، لفريق «ذا أنيمالز» أو «الحيوانات»، هى الأكثر رواجاً بين شباب تلك الفترة.
استخدمت موسيقى «الراب» للاحتجاج ضد النظم الاجتماعية والسياسية (أول من فعل ذلك كان مطرب الراب الأمريكى «آيس تى») حين حث فى أغانيه على استخدام العنف ضد الشرطة، وبسببه توقفت الشركة المنتجة «تايم وارنر» طواعية عن إنتاج المزيد من أغانى «الهيب هوب» لأى مطرب (بالمناسبة، فإن «آيس تى» هذا، واسمه الحقيقى «تريسى مورو» هو أحد أهم مؤسسى فن «الغانغستا راب» أو «راب العصابات»، وهى موسيقى لها طابع عنيف وتستخدم الكلمات النابية والعنصرية، وبسببها صدر قانون يُلزم شركات الموسيقى بوضع ملصقات تحذيرية على الألبومات الموسيقية الـ «ملائمة للكبار فقط»).
على العكس كذلك، كثيراً وقفت الموسيقى ضد السياسة. منذ بضعة عقود كانت لدينا ظاهرة مصرية للغناء ضد التيار تمثلت فى (المُطرب الشيخ إمام عيسى، والشاعر أحمد فؤاد نجم)، وفى الزمن نفسه كانت ظاهرة شبيهة تغزو أوروبا وهى فريق «البيتلز» المكون من (جون لينون، بول مكارتنى، جورج هاريسون، رينغو ستار)، جمع الفقر والمعاناة ثنائى الظاهرة الأولى، ووحد الحلم بالتغيير رباعى الظاهرة الثانية. كلتاهما كانتا صرخة احتجاج ضد السائد فى المجتمع، وتركتا بصمة واضحة.
الظاهرتان كانتا تغنيان ضد الأفكار السائدة فى المجتمع. قالت الأولى: (عطشان يا صبايا/ وأنا عاشق ع السبيل/ عطشان والميه ببلدى/ على عكس ما يجرى النيل). وسمعنا من الثانية: (تقول إنك تريد ثورة؟ حسناً أنت تدرك أننا جميعاً نريد تغيير العالم). الظاهرة الأولى أوصلت أبطالها لسجن القلعة ليحمل كل منهما لقب «معتقل»، بينما الظاهرة الثانية حملت أصحابها لقصر باكينجهام ليحصل كل منهم على لقب «سير».
اتصفت تجربة «إمام/ نجم»، رغم رونقها وبريقها، بالمحلية. أما «البيتلز» فقد غزوا العالم لأنهم غنوا للمُطلق، مثل: الحب والحرية والسلام (ولكن لا ننسى أيضاً أن أغانيهم المعارضة لحرب فيتنام قد ساعدتهم على الانتشار العالمى، فضلاً عن سهولة انتشار اللغة الإنجليزية).
توفى الشيخ إمام عيسى وهو يعانى الفقر والنسيان، ومات «نجم» بعده بحوالى عقدين من الزمن، أما «جون لينون» فقد اغتيل مطلع الثمانينات على يد أحد المختلين عقلياً، وبعد قرابة العقدين أيضاً مات «جورج هاريسون» بسرطان الرئة.
رحم الله الجميع، والسؤال هو: ما هى الموسيقى المصرية المعاصرة التى قد نتذكرها بعد بضعة عقود كموسيقى مؤثرة فى الملف السياسى؟