اللغة العربية لغة معجزة وساحرة، وهى لغة تاريخنا، وهى اللغة التى أكرمنا الله بها فى القرآن الكريم كى تكون شاهداً عملياً وعقلياً ولغوياً على إعجاز يستحيل نقله أو تكراره أو محاكاته.
ومع تعاقب الأجيال والأزمنة فقدت اللغة العربية لدى مستخدميها والناطقين بها قيمة «الدقة» و«البلاغة» و«التحديد» القاطع لكثير من شئون الدنيا.
وأصبح الخطأ الشائع هو ما يسيطر على معظم ما نقول فى حياتنا، وفى عالم الخطب الرنانة والوعود السياسية البراقة!
مثلاً، سمعنا منذ بداية الألفية عبارات مثل «القضاء على الفقر والجهل والمرض» (لاحظ كلمة القضاء)، وسمعنا: لقد ذهب المستعمر إلى الأبد ولن يعود (لاحظ إلى الأبد).
وكم من المرات نقرأ على صفحات الجرائد تصريحات للمسئولين تتحدث عن «القضاء على الفساد نهائياً» (لاحظ كلمة نهائياً).
وكثيراً ما نقارن إنجازات اليوم بالأمس ونصفها بصفات مثل: «هذا نجاح غير مسبوق بكل المقاييس» (لاحظ عبارة بكل المقاييس).
أما وزارات الصحة فى عالمنا العربى فهى تصدر بيانات المفروض أنها صادرة من جهة علمية، لكن المحتوى بعيد تماماً عن الدقة العلمية، مثال: يقال فى بيان: «ونستطيع أن نؤكد أن الأمصال متوافرة تماماً فى جميع المستشفيات وأن الفيروس قد تلاشى تماماً ولم يعد يشكل أى خطر» (لاحظ تلاشى تماماً).
أما الهتافات فإن أشهرها: «بالروح بالدم نفديك يا فلان» (لاحظ كلمة نفديك)، وأستطيع أن أتحدى جازماً أنه لو جىء بسيارة إسعاف تقوم بقبول نقل الدم من أجل: أن «نفدى» الزعيم الذى يتم الهتاف له لما تبرع شخص واحد من أصحاب الحناجر العالية!
الكلام سهل، واللغة فضفافة، والمعانى حمّالة أوجه. وكما يقولون الكلام مجانى لا يدفع الإنسان عليه ضرائب، وما نقوله اليوم يمكن أن نغيره غداً مع تغيير الأشخاص والأنظمة والمصالح!
ومن نعم الدنيا علينا، أن وسائل الاتصال التفاعلى على الإنترنت أصبحت تسجل كل كلمة بالصوت والصورة بحيث لم يعد ممكناً أن تقول كلاماً فى بيروت مخالفاً لما قلته بالأمس فى دمشق!
علينا أن نحترم اللغة، وأن نحترم الناس وعقولهم، فلا نتحدث عن «القضاء» على الفساد، لأن الفساد كان وما زال وسيظل موجوداً، لكن يمكن السيطرة عليه وتحجيمه بسلطة القانون، ويصعب علينا الحديث عن إنهاء الفقر أو البطالة أو التضخم؛ لأن هذا أمر لم تصل إليه أعظم اقتصادات العالم فى أحسن حالاتها.
«القضاء على» و«القضاء نهائياً» و«بالروح نفديك» و«إنجاز غير مسبوق» وكل تلك العبارات الخشبية التى فيها من الوعود والمحسنات البديعية والتطريز اللغوى ما يفوق الحقيقة والواقع والمنطق والممكن؛ يجب أن «تنتهى نهائياً» و«يتم القضاء عليها قضاء مبرماً»!!