لم تجد «سامية» بعد طلاقها، مَن تُلقي عليه بهموها وتتكئ مُطمئنة، لذا راحت رغم كونها في العقد الخامس من عمرها، تتنقل بجوال كبير الحجم في الشوارع وبين أكوام القمامة؛ بحثًا عن الكراتين والبلاستيك لتجمع ما يُمكنها بيعه آخر كل شهر وتعول به أسرتها التي يزيد عددها عن 7 أفراد.
توقفت سامية حسان، 43 سنة، عن عملها في تفتيش أكياس القمامة قليلًا، وبدأت تحكي بعينين يكسوهما الخجل، عن معاناتها لـ«الوطن»، موضحة أنها تطلقت من زوجها منذ نحو 14 عامًا بسبب خلافات بينهما، مُضيفة أنها عند خروجها من شقتها لم تأخذ شيئًا سوى ملابسها التي كانت ترتديها، لذا ذهبت للعيش رفقة والدتها المُسنة بأحد شوارع محافظة الجيزة: «عندي ولدين وبنت بس عايشين مع والدهم».
«سامية» تعول أسرة يزيد عددها عن 7 أفراد
تفاقمت معاناة «سامية» أضعافًا بعد طلاقها وذهابها للعيش رفقة والدتها، إذ أن لديها 3 أشقاء تم الزجَّ بهم في السجن ليترك كلٌ منهم زوجته وأطفاله لوالدته في المنزل: «أخواتي غلطوا اه وأتسجنوا بس زوجاتهم وعيالهم ملهمش ذنب، وأنا بشتغل واللي بجيبه بناكل به كلنا»، مُضيفة أنها تدفع شهريًا نحو 1000 جنيهًا كإيجار وفواتير مياه وكهرباء وأنابيب غاز.
رحلة شاقة في العمل تبدأها «سامية» يوميًا من الساعة الثالثة فجرًا، إذ تصطحب معها ابنة شقيقها «سمر»، صاحبة الـ 15 عامًا، لتذهبا سويًا على عربتهما الخشبية في طريق رزقهما متنقلين بين أكوام القمامة، متحملين رائحتها الكريهة وجيوش الحشرات المتراكمة عليها، أملًا في أن تمنَّ عليهما بقطعٍ من الكراتين والبلاستيك يضعاها في الجوال الكبير معهما، وتستمر هذه الرحلة حتى الساعة التاسعة مساءً، يعودان بعدها لأخذ قسطًا من الراحة قبل تكرار الأمر ثانيةً في فجر اليوم التالي.
«الواحد نفسيته بتصعب عليه من البهدلة اللي هو فيها».. هكذا قالت «سامية»، مُضيفة أن في بعض الأحيان تجد مُعاملة من المارين في الشوارع تُشعرها بالدونية وتُحزنها على نفسها وحالها، ولكنها مُضطرة، ولا تجد وسيلة أخرى تعول بها أسرتها غير هذه، كما راحت تُضيف بابتسامة كاذبة حملت بداخلها سنوات تعبها وكل معاني القهر والحسرة: «بحرق نفسي في العياط علشان أطلع اللي جوايا».
«سامية»: نفسي أرتاح من البهدلة اللي أنا فيها
بالرغم من أن ابنيّ «سامية» يعيشان مع والدهما ولا يساعداها بأي شيء طوال الشهر، إلا أنها لم تسمح لقلبها بأن يقسو عليهما أو يُنسيها للحظةً أنها أمٌ، ولذا دائمًا ما تقول كلما أتت سيرتهما في الحديث: «ربنا يرزقهم.. مش عايزاهم غير كويسين ومبسوطين»، ولكثرة ما تتلقاه السيدة الخمسينية من ألم خلال عملها، تمنت أن تجد من يُحمل عنها عناء دفع الإيجار والفواتير الشهرية؛ لِما يُمثلاه من ثِقلٍ عليها: «نفسي ارتاح من البهدلة اللي أنا فيها».
تعليقات الفيسبوك