في ذكري يوم المرأة المصرية.. حكاية فلاحة صعيدية تحولت لأيقونة الحرية الأمريكية
تمثال الحرية
تمثال الحرية، الأيقونة الأمريكية التي يطوف حولها 3 ملايين شخص سنويا، ويتغنون بجمالها وعظمتها، دون ذكر صاحبة التمثال الحقيقية، الفلاحة الصعيدية ابنة الأقصر التي خطفت قلب وعقل ضابط فرنسي، وقرر تخليد قصتها عبر تمثال ظل حائرا بين 3 دول، قبل أن يستقر في بيت الحرية بخليج نيويورك.
في 16 مارس تنشط ذاكرة المصريين تجاه المرأة، يستدعون قائمة الحوريات اللاتي صنعن جنة النضال النسوي على أرض المحروسة، تاريخ مشاركتهن في ثورة 1919 ولحظات تأسيس أول اتحاد نسائي، ومعارك انتزاع حق التصويت في الانتخابات وانتزاع عضوية البرلمان، وصولا للمكتسبات الهامة التي تحقق لعظيمات مصر خلال السنوات القليلة الماضية.
لكن باحثا أمريكيا أضاف لهذه المناسبة قصة تستحق الوقف أمام تفاصيلها، الباحث إدوارد بيرينسون، مؤلف كتاب تمثال الحرية الذي نشرته جامعة «يال» الأمريكية، قال إن بطلة تمثال الحرية الحقيقية هي فلاحة مصرية من الأقصر، وأكدت الحكاية مؤسسة «سميثسونيان»، التي تدير عددا من المتاحف في واشنطن.
يوميات البطلة الحقيقية لتمثال الحرية بالأقصر
في عام 1855 أرسلت فرنسا كتيبة من الفنانين إلى مصر، وكان أصغرهم بعمر 21 عاما، ويدعى فريدريك أوغست بارتولدي، شاب درس الرسم والهندسة ثم قرر تعلم فن النحت، واصبح فيما بعد ضابط اتصال وقائد سرب من الحرس الوطني.
كان الشاب الفرنسي مهموما بمتابعة المنحوتات الفرعونية الضخمة، وهو ما جعله يستقر في الأقصر، وهناك تعلق بالمنحوتات الأثرية، وقضى أوقاتا كثيرة يتأمل التماثيل في المعابد وحقول الفلاحين، وفي واحدة من جولاته ظل يتتبع إحدى الفلاحات، فتاة سمراء ممشوقة القوام، تنقل المياه من النهر لمنزلها في إناء من الفخار تحمله فوق رأسها، واستغرق أياما وهو يتابع تحركاتها، ثم غادر مصر، لكنه عاد وكرر نفس الرحلة في العام التالي.
بداية مشروع تمثال الحرية المصري
انقطعت علاقة الرسام الفرنسي بمصر لمدة 12 عاما، عاد بعدها إلى القاهرة ليلتقي الخديوي إسماعيل، الذي كان مهتما وقتها بالتخطيط المبكر للحفل الأسطوري لافتتاح قناة السويس، وعقب المقابلة توجه الرسام الفرنسي إلى موقع القناة، واقترح على الخديوي تنفيذ تمثالا كبيرا يكون بمثابة منارة تهتدي بها السفن، وقدر تكلفة تنفيذه بـ 600 ألف دولار، لكن الخديوي، طلب تخفيض التكلفة، ثم عاد وقرر تأجيل المشروع.
جاء الرسام الفرنسي إلى مصر للمرة الرابعة في عام 1869 والتقى الخديوي إسماعيل، وقدم له هدية، كانت عبارة عن تمثال صغير لفلاحة مصرية تقف بشموخ، وينسل من قدميها بقايا قيود تخلصت منها، ويعلوا رأسها طوقا يشكل تاجا تخرج منه 7 أشعة، وكان التمثال مثبت على قاعدة، كتب عليها جملة «مصر تحمل النور لأسيا»، وحين لاحظ الرسام الفرنسي إعجاب الخديوي بالتمثال ابلغه أنه نموذج مصغر من التمثال الذي اقترح عليه أن يكون منارة قناة السويس، وحاول إقناعه بإمكانية تنفيذ المشروع بعد حفل الافتتاح، وسعى الخديوي في ذلك الوقت للحصول على قرض من بنك فرنسي، فاصطدم بقرار من الدولة العثمانية يمنعه من الحصول على أي قروض لمدة 5 سنوات، ولكنه سعى في الخفاء للحصول على قرض من أحد البنوك الألمانية لتنفيذ المشروع، ويبدو أن هذه المحاولة كلفت مصر خسارة التمثال إلى الأبد.
تمثال الحرية يحصل على الجنسية الأمريكية
كان الخديوي إسماعيل معجبا بتمثال الفلاحة المصرية الصعيدية، وظل على تواصل مع الرسام الفرنسي، لكن هذا التواصل انقطع بعد نشوب الحرب الفرنسية الألمانية المعروفة بـ«الحرب السبعينية»، وهي الحرب التي جعلت من الرسام الفرنسي ضابط اتصال، ثم قائد سرب من الحرس الوطني، وشاهد على هزيمة الفرنسيين في هذه الحرب، واستيلاء الألمان على بلدة «كولمار» مسقط رأسه، وقتها عاد للفنون، لتخليد ذكري معارك بلدته، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1971 ليقدم لمسؤوليها مشروعه القديم لإنشاء منارة قناة السويس ليصبح تمثال الحرية في نيويورك، بعد إدخال تعديلات عليه تضمنت تغيير الثوب الفلاحي المصري إلى ثوب يوناني والضوء اصبح مقترنا بالشعلة وليس الرأس، وحصل على موافقة الحكومة الأمريكية لتنفيذ المشروع، وفي صيف عام 1885 كان تمثال الحرية في نيويورك على شكل قطع في انتظار التجميع، ودفعت الحكومة الفرنسية ثمن التمثال معتبرة أنه هدية دبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن وثائق مكتبة الكونجرس الأمريكية تصر أن التمثال كان هدية شعبية، وتم تجميع تكلفة إنشاؤه عبر حملة تبرعات نظمت بالتوازي في فرنسا وولاية نيويورك، وتجاهلت تلك الوثائق أيضا أي إشارة لقصة التمثال وعلاقته بمصر.