«الكلاب» ضحية سلوكيات عدوانية و«جشع» تجار يبحثون عن الربح
«البلدى» مطلوب بكثافة فى أوروبا ويباع بأسعار تصل إلى 7 آلاف دولار
«وليد» صاحب مزرعة خلال حديثه لمحرر «الوطن»
حيل غريبة ومؤذية يلجأ لها الكثير من الشباب المغرمين بتربية الكلاب من أجل خلق كلب شرس؛ منها ترك الكلاب فى غرف مظلمة، وتعطيشها، وإرغامها على شرب الدماء، كما أن هناك بعض التجار يسعون إلى تحفيز جينات الشراسة لدى الكلاب من خلال الضرب والسحل وإطلاقها للهجوم على كلاب بلدى مقيدة من أجل استعراض القوة وإقناع المشترين بمدى شراسة الكلب. خبراء مربون وأصحاب مزارع خاصة بالكلاب يرون أن كل هذه الأساليب خاطئة وتعد نوعاً من العنف المفرط ضد حيوانات بريئة لا حول ولا قوة لها، مؤكدين أن عملية التشريس تتم من خلال التدريب على العضاضة المعلقة فى ذراع المدرب ومكافأة الكلب بتقديم الطعام له على نجاحه فى التدريب لإشعاره بأنه قام بعمل صحيح.
«الوطن» فتحت ملف تربية الكلاب وتدريبها، وكشفت أن بعض التجار يقومون بمحاولة إكساب الكلاب صفات الشراسة من خلال التشجيع على العض والهجوم بطرق غير آدمية تنتهى إلى موت كلاب التدريب التى تتحمل عضات الكلاب الشرسة. ومن خلال هذا الملف نقدم عرضاً لكل الآراء التى أدلت بدلوها فى هذه القضية التى تهم عدداً كبيراً من المربين والتجار والمشترين والمعنيين بقضايا الرفق بالحيوان، فأصحاب مزارع الكلاب يحاولون بشكل مكثف تعديل سلوكيات بعض الشباب من خلال التشجيع على التربية السليمة، مؤكدين أن الشراسة لا علاقة لها بشرب الدم أو الضرب، مشيرين إلى أن الكلاب البلدى تتمتع بقدر كبير من الشهرة فى الدول الأوروبية، حيث يباع الكلب البلدى فى بعض الدول بـ٧ آلاف دولار على أنها كلاب إسرائيلية.
«الغرف المظلمة والضرب» حيل الشباب لـ«التشريس».. والكلب
البلدى فريسة للتدريب الوحشى.. وسوق «السيدة» ملتقى المشترين
زحام شديد وأصوات عالية متداخلة وحالة من الضجيج، تزداد كلما اقتربت من ساحة الكلاب فى سوق الجمعة بالسيدة عائشة، فهذه الساحة هى المكان المخصص لبيع الكلاب بمختلف أنواعها.
«البيتبول والروت وايلر» أكثر الأنواع المطلوبة.. وعرض دموى لإقناع الزبائن
لكن الأكثر رواجاً فصيلة «البيتبول والروت وايلر» التى يفضلها الكثيرون لما تتمتع به من قوة عضلية تجعلها تتفوق على الفصائل الأخرى، إلى جانب الفك القوى القادر على الفتك بالفريسة فى لحظات، لكن لا دليل على قوتها سوى بالتجربة العملية، وهنا تكمن الكارثة، لأن هناك بعض الشباب يحاولون تدريب الكلاب على الشراسة من خلال إطلاق سراحها على «كلاب بلدى» مكبلة بالقيود فى عرض دموى لاستعراض القوة ينتهى بمقتل «الكلب البلدى» فى مشهد قاسٍ يمزق أى قلب رحيم.
بعض الشباب يمزجون خليطاً من الدم مع الماء كى يشربه الكلب، ظناً منهم أن الكلاب تزداد شراسة كلما شربت الدماء، ولا يقتصر الأمر على هذه المحاولة فقط، بل يذهب آخرون إلى القيام ببتر أعضاء من جسم الكلب سواء كان الهدف من هذا الأسلوب هو منع الكلاب من التكاثر أو محاولة إكساب الكلب شراسة زائدة من خلال بتر الذيل الذى يعتبر من بين الأمور المعتادة بالنسبة للبعض، خاصة أن بعض المسابقات قديماً كانت تتطلب قطع الذيل كى يتناسب مع الكتلة العضلية للكلب، لكن الأمر الأكثر غرابة وقسوة هو تدريب بعض الشباب للكلاب الشرسة على القتال من خلال ربط «كلب بلدى» بإحكام كى يصعب عليه الفرار، ثم بعد ذلك إطلاق الكلب المراد تدريبه ليصبح شرساً على «الكلب المربوط»، فى محاولة لاستعراض القوة.
وليد حامد، صاحب مزرعة كلاب شهيرة فى محافظة الجيزة، روى، لـ«الوطن»، تفاصيل مروعة عن محاولات تشريس الكلاب التى يقوم بها البعض، مؤكداً إنقاذ كلب بلدى كان يتم استخدامه فى تدريب الكلاب الشرسة، مضيفاً، لـ«الوطن»: «شُفت بعنيا كلب بلدى مرمى فى الزبالة، بعد ما نزف دم كتير وجلده كان متقطع من أسنان كلب شرس كان بيتدرب عليه، ولما الكلب البلدى تعب وأغمى عليه فكّروه مات ورموه فى الزبالة، لكن نجحنا فى إنقاذه وعملنا له أكتر من جراحة علشان يرجع تانى بكامل قوته، وفعلاً قدرنا نعمل ده، وكمان عرضناه لرعايته بعد ما خف من الجروح والكدمات اللى كانت فى جسمه، وهو دلوقتى مع واحد يتولى رعايته خارج مصر».
الكثير من المواطنين يبحثون عن كلب شرس يتمكن من الهجوم بشدة، وهنا يلجأ بعض التجار إلى حيلة قاسية تنعدم خلالها مشاعر الإنسانية، من خلال استفزاز الكلب والتلويح بضربه وتدريبه على العض بقسوة، وهناك بعض الشباب يظنون أن الظلام وحده قادر على إكساب الكلب صفة الشراسة، وهنا يقررون ترك الكلب فى الظلام الدامس، إلى جانب ربطه بشكل دائم وضربه بعنف، وهنا يكون الهدف الرئيسى «تشريس» الكلب، كما يظن هؤلاء الشباب، يتابع «وليد»: «كل دى حاجات غلط وميصحش تتعمل، انت بتتعامل مع روح بتحس وبتتأثر، وموضوع الشراسة ده ملوش علاقة لا بالضرب ولا بالتخويف، لكن ده بيكون بالتدريب بلطف بدلاً من العنف».
«وليد»: لدىَّ مزرعة تضم أنواعاً كثيرة وعنابر خاصة للكلاب المشردة
سنوات عديدة قضاها «وليد» فى خدمة الكلاب بشكل عام والكلاب البلدى بشكل خاص، حتى قرر شراء قطعة أرض منذ 7 أعوام ليقيم عليها مزرعة لتربية الكلاب المستوردة التى يهوى تربيتها، إلى جانب تخصيص جزء منها للكلاب البلدى المشردة التى يعثر عليها فى الطريق مضروبة، كما حدث منذ فترة وجيزة، عندما عثر على كلب مذبوح الرقبة والدماء تنزف منه بغزارة، وواصل: «كنت ماشى ولقيت كلب بلدى بينزف من رقبته أخدته بسرعة وجريت على العيادة والحمد لله لحقته».
فور وصول «وليد» ومعه الكلب إلى عيادة أحد الأطباء البيطريين، اكتشف أن القصبة الهوائية للكلب مصابة بتهتك شديد منع الكلب من التنفس بشكل سليم، حيث أعاق تدفق الهواء إلى الرئة كما هو معتاد فى عملية التنفس، لذلك كان يتنفس من الرقبة، وأضاف: «كان مدبوح بسبب حبل رفيع مربوط به من صغره ولما كبر، محدش شال له الحبل، فقطع جزء من الرقبة ووصل للقصبة الهوائية، وكان حرفياً بيموت، لكن الدكتور شال الجزء التالف من القصبة الهوائية وركب مكانها ماسورة طبية وخيّط الجرح والكلب مامتش ولحقناه».
خلال سفر «وليد» إلى إحدى الدول الأوروبية وجد أن الكلاب البلدى تُعامل معاملة جيدة هناك، على عكس ما يحدث فى مصر، وقال: «كنت مسافر إسبانيا وأنا فى الطيارة عرفت إن معانا مجموعة كبيرة من الكلاب البلدى رايحين إسبانيا، ولما وصلت هناك لقيتهم بيتعاملوا معاهم معاملة كويسة جداً، واكتشفت إن الكلاب البلدى فى أوروبا بتتباع بـ٧ آلاف دولار على أنها كلاب إسرائيلية، ودى حاجة صدمتنى، خصوصاً إنى متأكد إنهم بلدى، وهناك الأجانب بتحترم كلابنا البلدى أوى وتلاقى معظم اللى ماشيين فى الشارع معاهم كلاب بلدى، لأنهم عارفين كويس إن عندهم مناعة أقوى من الأنواع التانية».
داخل المزرعة يخصص «وليد» عنابر للكلاب الضالة والمشردة التى تعرضت لعنف جعلها تفقد الثقة بمن حولها، وهنا يكمن الدور الأهم له من خلال تجهيز مسكن خاص بكامل التجهيزات الفنية التى تتيح للكلاب الاستمتاع بالطبيعة الخلابة، وتابع: «الكلب من حقه يعيش عيشة كويسة، وفيه ناس ممكن تقول لى البشر أولى من الكلاب بالفلوس اللى بتتصرف دى، لكن أنا ليا وجهة نظر مختلفة شوية عنهم، باشوف إن الكلاب لازم نساعدها علشان معندهاش قدرة على الطلب».
ويرى «وليد» أن التعامل مع كلاب الشارع يحتاج إلى مراجعة نظراً لتعرض عدد كبير منها للأذى من خلال وضع الأكل المسموم لها، وأضاف: «أرواح وليها حق فى الحياة، لكن للأسف فيه ناس بتخاف منها بشكل كبير وخوفها ده بيخليها لو شافت أى كلب فى الشارع هتقول عليه مسعور لمجرد إنه هوهو عليهم».
ويؤكد «وليد» أن كلاب الشارع ليس بها سعار لأن هناك علامات شائعة تظهر على الكلاب حال إصابتها بهذا المرض، من بينها الهزال الشديد والمظهر الغريب، وقال: «اللعاب بيكون نازل دايماً، ومابيظهرش بالنهار أبداً، ظهوره مرتبط بالليل بس، كمان عمره مابيكونش طويل وبيموت على طول، لأنه بيعض نفسه، لدرجة إنه ممكن ياكل من لحمه لحد ما يموت».
شراء الكلاب الصغيرة من سوق الجمعة أمر محفوف بالمخاطر لأن العديد من الجراء لم تحصل على تطعيماتها بعد، وهنا يصبح الموت أمراً حتمياً بالنسبة لها، ولكن رغم خطورة بيع الجراء الصغيرة، فإن التجار مع بداية الساعات الأولى من صباح كل جمعة يأتون من جميع الأنحاء لبيع الكلاب الصغيرة.
شارع طويل وممتد يبدأ من الجهة المقابلة لمسجد السيدة عائشة، وينتهى بمجموعة من الشباب معهم عدد كبير من الكلاب، منها 13 «جرو بيتبول» صغيرة لم تتجاوز أعمارها 20 يوماً، جاء بها أحد التجار إلى السوق لبيعها، وهنا تكمن الخطورة لأن هذا العمر يسهل معه انتقال العدوى للصغار ويخسر المشترى ما أنفقه من أموال، ولكن ربما السؤال الأبرز هنا: كيف لهذا الشاب أن يحصل على الجراء وهى لا تزال رضيعة وكيف يتعامل معها حتى تصل معه إلى بر الأمان؟.
رغم أن هذه الجراء بينها سلالات كلاب شهيرة ثمنها مرتفع مثل «بيتبول وكوكر»، فإن التاجر يبيع الجرو الواحد منها بـ300 جنيه فقط، وهذا أمر يستحق الوقوف عنده كثيراً، خاصة أن أسعار هذه الكلاب تتخطى آلاف الجنيهات، لكن محمد عاشور، من محافظة الجيزة، وأحد الشباب الذين يأتون إلى السوق لشراء جرو بيتبول صغير، يرى أن هذه الجراء الصغيرة ربما تكون مسروقة، وهذا سبب رخص ثمنها، وقال: «هى فعلاً بيبتول وكوكر إسبانى، البائع مابيكدبش، لكن هو باعهم بسعر رخيص بالشكل ده علشان احتمال إن أصحابهم رموهم علشان العدد مايكونش كبير عندهم، خاصة فى المناطق الراقية، علشان مايفرقش معاهم سعرهم لو باعوهم، علشان كده بيرموهم وهما صغيرين لأى بواب ياخدهم ومابيكونوش واخدين تطعيمات».
«وليد»: لدىَّ مزرعة تضم أنواعاً كثيرة وعنابر خاصة للكلاب المشردة
وأكد باسم هانت، من محافظة الجيزة، صاحب مزرعة كلاب روت ويلر، أنه لا علاقة للشراسة بشرب الدم أو أكل اللحوم نيئة بهدف إكساب الكلاب شراسة، كما أنه لا يجب التعامل مع الكلاب بقسوة لأنها ليست كائنات هجومية، بل دفاعية فى المقام الأول، فقط تهجم للدفاع عن نفسها حال شعورها بالخطر.
«باسم»: «بتحس باللى بيحبها ويعاملها كويس
وأضاف: «كائنات مسالمة جداً، ومستحيل يكون من وراها ضرر طالما محدش قرّب منها بأذى، وبتحس باللى بيحبها».
شراسة الكلاب تحتاج للتدريب على العض من خلال الاستعانة بالعضاضة وتحفيز الكلب على العض من خلال استفزازه وتشجيعه، وتابع: «الاستفزاز مابيكونش من خلال الضرب لأن الضرب بيضعف شخصية الكلب وبيخليه يخاف من أى حد، إحنا بنحفز الكلب على العض ده خلال التشجيع، يعنى مثلاً لما يعض العضاضة اللى بتتعلق فى دراع المدرب بندّيه مكافأة بتكون عبارة عن أكل، وهنا الكلب بيفهم إنه عمل حاجة كويسة، ويبدأ يكرر العض ده فى كل مرة»