ياسمينة حيدر.. نحت الزجاج «غيّة»
لم يخل الزجاج ذات يوم من أشكاله الفنية المختلفة، من الرسم عليه وتلوينه وتشكيله، وصولا إلى ما يعرف بـ«الزجاج المعشق»، لكن بعدا ما جديدا أضفى على هذا الفن غير ذائع الصيت، جمالا وإبداعا غير مسبوق، وألحق به عامل الإبهار، حيث وقوع عينيك على أحد نماذجه يحملك على الإعجاب الشديد والدهشة، كما يحملك على طرح السؤال «كيف نُفذ ذلك العمل البديع؟».
أنواع النحت عديدة، وجميعها تقوم بالأساس على التشكيل المجسم فى المواد الصلبة باستخدام القطع أوالحذف أو فى المواد اللدنة باستخدام الإضافة، والزجاج هو إحدى المواد الخزفية حيث يعرف علميا بأنه إحدى الفئات الكبيرة من المواد غير البلورية المتجمدة غير العضوية، وغير الفلزية ذات تراكيب وخواص ميكانيكية، وسمات بصرية شديدة التباين، ويتجمد من الحالة السائلة، وغالبا ما يتكون من أكسيد السيليكون والأكاسيد الأساسية للصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم، إضافة إلى مواد أخرى لها دور فى تعديل الخواص أو التلوين، فيكون شفافا أو شبه شفاف.[Image_2]
وعلى الرغم من كون النحت الزجاجى بمفهومه الحالى فنا مستحدثا، فإن اتجاه الفن كان منذ القدم، حيث توجد نماذج كثيرة من أعمال الزجاج المسطحة والمجسمة فى مختلف الحضارات، التى اعتمدت على استخدام أساليب الصهر والتشكيل المباشر بالنفخ أو القطع أو الحذف، وغير المباشر بالصب، حيث استخدم فى تصنيع أشكال فنية وأدوات استخدامية، بحسب الدكتورة ياسمينة حيدر، الحاصلة على دبلوم النحت الخزفى عام 2002 بامتياز، وعلى درجة الماجستير فى «تقنيات التشكيل النحتى بالزجاج» عام 2005، والتى تعمل أستاذا بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية.
هى الحاصلة على الدكتوراه فى «فلسفة التشكيل المباشر للنحت الزجاجى» من كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية عام 2009، وذلك لتقديمها عملا بحثيا رائدا فى هذا المجال النادر تحت إشراف الأستاذ الدكتور جابر حجازى والأستاذ الدكتور محمد سالم وتطويرها لأساليب النحت فى الزجاج. وشاركت فى العديد من المعارض الفنية وورش العمل فى مصر، وألمانيا، وإيطاليا، وتركيا.
الدكتورة التى قدمت معرضها الشخصى الأول «منحوتات زجاجية» بنجاح فى قصر الجزيرة للفنون بالقاهرة ثم أتيليه الفنانين والكتاب بالإسكندرية خلال نوفمبر 2010 ويناير 2011، تضيف أن الاكتشافات الحديثة لعام 2007 أوضحت أن تشكيل الزجاج الفنى ظهر أولاً فى مصر القديمة، كما تبين ذلك من خلال العثور على فرن لصهر الزجاج يرجع تاريخه إلى 3000 عام فى منطقة قنطير «شمال شرق مصر القديمة».
وتضيف متتبعة تاريخ الفن الذى تعشقه، «فيما يقرب من عام 100 بعد الميلاد، طور الرومان تشكيل الزجاج فى الإسكندرية، التى ظلت أهم مراكز إنتاج الزجاج فى العالم حيث انتشر فن الزجاج من الإسكندرية وروما إلى آسيا وأوروبا»، وتابعت «ثم تأسست أهم قواعد تشكيل الزجاج الفنى فى بوهيميا بتشيكوسلوفاكيا ومورانو بإيطاليا فيما بعد».
وتستكمل حديثها «وفى عصر الطولونيين، قام أحمد بن طولون بترميم مصنع الزجاج بالإسكندرية، وازدهرت تقاليد فنية جديدة فى مصر والعالم الإسلامى فى القرن الثامن الميلادى تميزت بروعة اللون ودقة الحفر والنحت».
أخذ «فن الزجاج» فى التطور عبر قرون عديدة، حتى وصل الفن إلى مفهوم «الفن الرفيع» فى كثير من البلدان فى القرن العشرين، كان أبرزها جمهورية التشيك ثم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنشأوا العديد من المدارس والمعاهد الفنية المتخصصة لدراسة فنون الزجاج، ثم تم إنشاء قسم متخصص بكلية الفنون التطبيقية بالقاهرة.
وهنا تذكر الدكتورة الدور الذى لعبه المهندس «زكريا الخنانى» وزوجته الفنانة «عايدة عبدالكريم»، الذى تمثل فى الاهتمام بإعادة تقديم وإحياء تشكيل الزجاج الفنى بالقاهرة، وذلك باستخدام التقنيات المصرية القديمة عام 1965م، ثم قاموا بعد سنوات عديدة من التجريب بإنشاء «متحف فن الزجاج والنحت وتشكيل العجائن المصرية» بالجيزة.
السيدة الثلاثينية التى زارت بلادا كثيرة وقضت سنوات بين مصر وتركيا وألمانيا، محاولة سبر أغوار «فن الزجاج»، ترغب فى إحياء مدرسة تشكيل الزجاج بالإسكندرية، بالإضافة إلى تطوير أساليب تشكيل الزجاج ونحته كمادة أصلية لها جذور مصرية عتيقة، وفى سبيل ذلك قامت بدراسة تاريخ وتقنيات تشكيل الزجاج الفنى فى رسالتى الماجستير والدكتوراه، اللتين كانتا تهدفان إلى اكتشاف أبعاد تشكيلية خاصة بالزجاج.
الدكتورة ياسمينة التى تطوعت كمدربة فى جمعيات المجتمع المدنى لتنشيط التبادل الثقافى الدولى فى مشاريع مختلفة مع الأردن ولبنان واليونان وفنلندا والسويد من 2001 حتى 2006 تصف العمل الفنى الزجاجى بأنه يؤثر على البيئة المحيطة والإنسان بشكل مباشر، فيعكس أبعادا فنية تعبيرية ومفاهيم ثقافية تخاطب العقل أو الشعور أو كليهما، فيتأثر المتلقى بطاقات متعددة، منبعثة من تلاقى العمل الفنى الزجاجى مع البيئة المحيطة، على حد قولها.
لم تأت أعمال الدكتورة ياسمينة حيدر بالمصادفة، وإنما عكفت على أبحاث وتطبيقات عملية متعمقة، ولعل أهم أعمالها فى النحت الزجاجى، «الورقة المائلة» الذى تم تنفيذه بمدينة «سيينا» الإيطالية عام 2008، إلى جانب «الإعصار»، الذى تم تنفيذه عام 2010 فى مصر، وأما الورقة المائلة فهو عمل بعرض 235 سنتيمترا، ويمثل تجريدا لورقة من شجرة البلوط، حيث كانت تشارك فى منتزه «الكيانتى» الطبيعية للنحت بشمال غرب إيطاليا إلى جانب 27 فنانا وفنانة، فيما شهد تجارب فنية متميزة، على حد وصفها، حيث تتم دعوة الكثير من فنانى القارات الخمس؛ لتنفيذ وابتكار أعمالهم النحتية المختلفة.
وجاء ثانى أبرز أعمالها يحمل اسم «الإعصار»، وأوضحت الدكتورة أنه كان يهدف إلى تجسيد ظاهرة الإعصار الطبيعية، التى تحمل معانى التدمير، كما تصفه بأنه الأول من نوعه نظرا للصعوبة والخطورة المحيطة بتنفيذه، حيث إنه عمل صرحى مقام فى الهواء الطلق، وبلغ ارتفاعه 175 سنتيمترا، ونحت فى 550 كيلوجراما من زجاج جير الصودا، وكان مثبتا على هيكل من الحديد، ومرتكزا على قاعدة من الجرانيت.
أخبار متعلقة:
المتحولون.. المهرولون!!
غرور
الهاربة
اتغزلوا فيها
تنوق الجمل
النخل واللبلاب
«8 بيت».. شخصيات عربية داخل عالم ألعاب الفيديو
البنات غيرك مفيش
سدوا الودان
عتاب
سر اللحظات الأخيرة
من أكتوبر إلى يناير.. «يا مصرى» لا تحزن