بروفايل| أحمد فؤاد نجم عام على الرحيل
لم تغب كلماته يوماً منذ رحيله قبل عام، ولم ينسَ واجبه نحو وطنه طيلة حياته، ليحفر «الشاعر البندقية» بكلماته تاريخ أمة فى النضال والبحث عن الحرية، بكلمات لا تزال تتردد فى التجمعات، وعلى المقاهى، وفى أغنيات يتغنى بها الثوار والمتظاهرون كلما أرادوا التعبير عن رأيهم، ليظل أحمد فؤاد نجم، فاجومى الشعر العامى، بصمة لا تمحوها الأيام حتى وإن انقضى عام على رحيله.
كلماته اللاذعة كنبتة قوية فى الأرض يرويها نبع متدفق من حكايات القاع وأسرار المهمشين والمظلومين، يستقى أشعاره من وجوه الكادحين المحفورة ويحوّلها لقصائد عامية موشومة فى القلوب قبل أن تكون مرسومة على جدران الشوارع والأزقة، تفوح رائحتها من أراضى الفلاحين، ويتصاعد لهيبها مع عرق عمال المصانع، وترسم ابتسامة شقاء على وجوه الضعفاء.
فى 23 مايو من عام 1929 كان مولده، وسط 17 من الإخوة، لم تكن الحياة سهلة بالنسبة له، فبعد وفاة والده انتقل إلى بيت خاله، ومنه إلى الملجأ، ليخرج منه بعد تسع سنوات ويلقى نفسه فى دوامة الحياة الكبيرة، فعمل متنقلاً بين مهن كثيرة كبائع وبنّاء وترزى.
جاء عمل «نجم» فى مطابع فايد بالإسماعيلية بمرحلة جديدة فى حياته كوّنت وعيه السياسى والنضالى حين التقى بعمال المطابع الشيوعيين، لتبدأ مرحلة جديدة فى حياته، بعد أن ساعدوه على تعلم القراءة والكتابة، وخلال عام 1946 اشترك فى المظاهرات التى اجتاحت مصر.
فى الوقت الذى كانت المعاناة هى المحرك الأكبر لشعر «الفاجومى»، تم اعتقاله مع أربعة من زملائه بمصلحة البريد، وتعرضوا للتعذيب حتى إنه رأى أحد أصدقائه يموت أمام عينيه، فتم تلفيق قضية ضده بتهمة الاختلاس والتزوير لعدم موافقته على الشهادة ضد زميله القتيل، وحُكم عليه بالسجن 3 أعوام، وفور الإفراج عنه فاز بمسابقة الكتاب الأول التى ينظمها «المجلس الأعلى للفنون والآداب»، وصدر ديوانه الشعرى الأول «صور من الحياة والسجن».
لم يكن «نجم» شاعر النظام فى يوم من الأيام، انحاز للمظلومين والأحرار وللثورات بعد أن حوّل قصائده إلى صرخات رافضة امتزجت بألحان الشيخ إمام بعدما تقابلا لأول مرة عام 1964 فى حارة «حوش آدم».
تم اعتقالهما بتهمة تعاطى الحشيش أثناء عصر «عبدالناصر»، ليفرج عنه بعد ذلك أنور السادات، ويطلق عليه «الشاعر البذىء»، لتتوالى بعد ذلك أعمالهما معاً «مصر يا امّه يا بهية» احتفالاً بأبنائها الذين حاربوا وليس القادة فى انتصارات أكتوبر، واستمر على انتقاده للسلطة خلال عهد مبارك من خلال رفضه للتوريث ودعمه لثورة يناير، كما رفض حكم جماعة الإخوان وكان ضمن من وقّعوا استمارة «تمرد».
وبعد 84 عاماً من النضال والثورة والشعر فى وجه الظلم رحل «المناضل المثال» تاركاً لنا أشعاراً وكلمات تفوح برائحة الوطن الحقيقى ليكون رحيلاً بطعم الخلود.