كيف ينظر المصريون لأنفسهم اليوم؟ هل تقديرهم لذواتهم ولبعضهم بعضاً ولمؤسساتهم عالٍ وملىء بالتقدير والاحترام، أم أنه منخفض ويستحوذ عليه الشك والتوجس والتعالى أو الدونية؟
الإجابة عن السؤال ذات أهمية؛ لأنها تعطينا فى النهاية صورة عن العاملين (المصريين) الذين سوف يحققون التنمية المطلوبة؛ فالإنسان ليس آلة من الحديد تعمل، بل تحركه مشاعره وتدفعه أو تثبّطه، وأفعاله وأعماله كلها وعلاقاته بمواطنيه ومجتمعه وبلده لا تنفصم عن إحساسه وشعوره؛ فالحزين أو المحبَط أو المكتئب من فعل الواقع وأثره عليه ليست لديه نفس القدرة على العمل ولا نفس الحماس كمواطن آخر مطمئن ويشعر بذاته قيمةً أو بالرضا أو القبول النفسى أو الفرح، كما أن الذى يعمل تحت ضغط وقهر وشعور بالإخضاع ليس كمن يعمل بمحض رغبته، وليس الذى يعمل ويملأه إحساس بالظلم (حقاً أم ادعاء) كالذى يشعر بعدالة، ثم إن الذى يعمل ولديه تقدير طيب لنفسه ولزملائه سيكون متعاوناً ومتحمساً ومنبسطاً فى تعاملاته، بخلاف هذا الذى يشعر بالدونية والنقص وقلة القيمة تجاه نفسه وتجاه زملائه وتجاه مواطنيه. فهل يُنهى المواطن المحبط أو الحزين أو الذى يحمل مشاعر سلبية عمله فى نفس المدة التى ينهى فيها نفس العمل وهو يحمل مشاعر عادية أو طبيعية؟ وهل من لا يشعر بعدالة عامة ينفذ عمله بنفس الكفاءة التى يحققها من ليست له نفس المشاعر؟ وهل تعتقدون أن تعاوناً وعملاً مشتركاً أو جماعياً يمكن أن يكتمل مع حزانى ومحبطين ومكتئبين لأسباب تتعلق بواقع مجتمعى حاكم بينما هم فى حقيقة الأمر ونتيجة تلك المشاعر يفضلون الانسحاب والعزلة والخروج من الجماعة الظالم أهلها؟ إن هذه المشاعر لا بد وبالضرورة أن تؤثر فى العاملين وفى العمل ولا يمكن تجاهل أثرها فى النتائج المتحققة.
أحدثكم عن مشاعر عامة، أى عن مشاعر القطاع الأعم من الشعب، التى تنتج من تفاعل هذا القطاع مع الواقع المُعاش، أى مع كل أفعاله وناسه ومؤسساته وحكامه والقوانين التى تحكمه فعلاً وليست المكتوبة فى أوراق، وكذلك العلاقات التى تربط بين هؤلاء جميعاً، وما ينجم عن ذلك كله من نتائج تؤدى إلى إحساس المواطنين بالرضا والقبول والسعادة أو بالنقمة والغضب والقهر مثلاً، أو بقناعتهم بالقيم العليا كالسلام والمودة والعدالة والمساواة والحرية، أو بالقهر والظلم والعنف بتنويعاته الظاهرة والمبطنة.
مشاعر الفخر حين كان القطاع الأعم يهتف: «ارفع راسك فوق.. انت مصرى» هى مثال على مشاعر عامة، والمشاعر العامة اليوم بعد براءة «مبارك» مثال آخر.
هل يمكن أن يهتف المصريون اليوم ذلك الهتاف؟
إن هذه المشاعر لا بد وبالضرورة أن تؤثر فى العاملين (المصريين) وفى العمل، ولا يمكن إنكار أثرها فى النتائج المتحققة وفى التنمية وفى التطور الاجتماعى.
إننا دائماً نسأل أنفسنا: لماذا لا نتقدم؟
ولماذا نُخرب هكذا فيما يبدو عمدياً ومقصوداً؟
إنها أيضاً نزعة الانتقام والتدمير التى تستولى على المحبط والمكتئب والمظلوم والخائف والمُخضع وقليل الحيلة الذى يتحيَّن فرصة التخريب.
إن التعبير عن المشاعر السلبية، كالغضب والظلم والخديعة وتنظيم الاحتجاجات الجمعية من أجل ذلك، أمر ضرورى لتفريغها وإخراجها وحل المشاكل المتعلقة بها.
هل تتصورون أن قتل ثلاثة أفراد، أحدهم صبى عمره 14 عاماً، فى مظاهرة سلمية احتجاجاً على حكم البراءة لـ«مبارك» وجميع رجاله سيدفع مثل هؤلاء المتظاهرين ومن يمثلونهم من المواطنين إلى أن يذهبوا إلى عملهم يملأهم الحماس لتحقيق المعدلات وتنفيذ الخطط، أم أنهم سيتركون إخلاصهم للعادلين؟
هل يحقق الخائف تنمية وتطوراً؟
هل المعنويات المنهارة وفقدان الإحساس بالثقة وبالقدرة وبالقيمة سترفع مستوى التفاؤل بالمستقبل؟
دساتير بعض الدول تنص على تحقيق السعادة للشعب، ولما كان هذا أمراً مستبعداً فنحن لا نطلب لشعبنا الآن إلا الرضا ليرضى.. آمين.