دار نقاش بين بعض الأساتذة حول المسئول الأزهري الكبير الذي صدر منه كلامين متناقضين في حق الإخوان مما يدل على نفاقه، وهذا المسئول هو الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق، وعضو جماعة كبار العلماء، ذلك أن هناك وثيقة منسوبة للشيخ يصف فيها جماعة الإخوان بأنها:(اللسان الناطق بالحق، والعنوان الصادق لدعوة الإسلام، وأعز جماعة تدعو إلى الله)، ثم لما تغير موقف الدولة من الإخوان إذا بالشيخ بيان جماعة كبار العلماء سنة 1954 يقول:(إن جماعة الإخوان انحرفت عن الجادة، وتآمرت على قتل الأبرياء، وترويع الآمنين، وإعداد العدة لفتنة طائشة باسم الدين لا يعلم مداها إلا الله)، الأستاذ في دفاعه عن الشيخ لم يقل إلا عبارات من نوعية: إنها هجمة شرسة على الأزهر ورموزه من الحاقدين ، والأستاذ الثاني يرى أن الشيخ متناقض ومنافق، ويضع بيان نبذ الإخوان بجوار وثيقة مدحهم، ويقول انظروا إذا لم يكن هذا نفاقا فما النفاق.
قال لي واحد ما رأيك في الحوار؟ قلت: إن طريقة الدفاع عن الشيخ فيها إساءة بالغة له، وتثبيت لصحة الاتهام، وهي تهمة لو ثبتت لا تعالج، ولا تمحى، وللأسف فإن كثيرين في دفاعهم يضرون أكثر مما يدافعون، وتذكرت مقالي الشهير في المعركة بين الدكتور علي جمعة والسلفي أبو إسحاق الحويني، وعنوانه:( الحويني.. الشيخ الذي قتله تلاميذه)؟ وقلت لمن سألني: إن الاتهام بالنفاق إذا ثبت فلا ينفع معه ردودا من نوعية: أنهم يكرهون الأزهر، إنهم يحاربون رموز الدين إنهم كذا وكذا، هذا كلام الضعيف العاجز المتهافت، والحل الوحيد علميا هو أننا ننظر في كلام الشيخ مخلوف فإن ثبت أن كلا الكلامين صدرا عنه فهو منافق بلا نقاش، وكان عليه أن يعتذر دون لف ودوران، وإن كان أحد الكلامين ملفق عليه فالرجل صادق، ثم ذكرت خمسة أدلة على بطلان الوثيقة التي يمدح فيها الإخوان(لعلي أذكرها في مقال مستقل)، فالرجل لم ينافق الإخوان أصلا، ولو أنكم كتبتم كلاما بمداد البحر من نوعية أنهم يريدون هدم الأزهر، وأن هذه حملة منظمة ضد الأزهر للتشوية والنيل من رموزه، لو قلتم هذا الكلام مليون مرة فلن يصمت كلامكم تجاه الوثيقة لو صحت، علينا إذن تحرير محل النزاع، وإلا فأنت هنا ترد عنه ما لم يتهم به.
أرأيتم لو أن رجلا ضبطوه يسرق، فإذا به يدفع التهمة بفيديو يثبت فيه أنه يصلي، إن قواعد المناظرة والنقاش والرد تقتضي نفي تهمة السرقة وتبرئته من خلال إثبات بطلان الفيديو، وليس إثبات الصلاة، لأن محل النزاع هنا هو السرقة، وليس ترك الصلاة، وفي حالة الشيخ مخلوف فإن التهمة المنسبوبة إليه هي مدحه الفج للإخوان، وليست التهمة أنه لم يحارب العنف والتخريب، فالطريقة الوحيدة في دفع الاتهام هي إبطال التهمة نفسها، فمن يستطيع إبطالها فليفعل، ومن لم يستطع فلا يتورط في نفاق المنافق، وعلى ذلك شرحت له بطلان الوثيقة، فعرضها فاعتذر كل من افترى على الشيخ مخلوف، وعادت الصورة كما كانت من أن الشيخ عالم رباني، ومحقق بارع، وقطب صالح، ومفخرة للأزهر، قال الحق، ولم ينافق أحدا، ولم يصدر منه موقفين متناقضين أحدهما في مدح الإخوان يوم أن كان لهم سطوة وسلطة، والآخر في قدحهم بعد الثورة ( ثورة 23 يوليو )يوم أن صارت السلطة والسطوة في يد غيرهم، وكيف يصدر منه ذلك من أجل منصب رخيص، والمنصب عنده هو والعدم سواء، ولذا وقف التاريخ أمامه مشدوها ممتنا، ومازلنا بعد سنين من وفاته نقول: عليك سحائب الرحمة يا مفخرة الصعيد ومصر والأزهر، وعلى المنافقين ومنافقي المنافقين اللعنات أينما ثقفوا.