كشفت أزمة النائب العام وزيارة الرئيس للإسكندرية عن عدة أمور أعتقد أن على مؤسسة الرئاسة أخذ الدروس منها.
أولاً: الجانب المشرق فى تمسك القضاة بالنائب العام بحجة عدم اختراق قانون السلطة القضائية هو أننا منذ اليوم نتوقع من القضاء والقضاة ذات الموقف فى المستقبل وهو الوقوف ضد كل تجاوز للقانون من أى جهة بدءاً برئيس الجمهورية وحتى أصغر موظف عام، فى السابق لم تعترض بعض الهيئات القضائية وكثير من القضاة على اختراق القانون عندما تم تزوير إرادة الناخبين والعبث بالدستور ونهب المال العام وشيوع الفساد، من اليوم لا ازدواجية ولا تيارات داخل القضاء: الجميع ضد أى تجاوزات للدستور والقانون، وهذا فى حد ذاته ضمانة قوية للديمقراطية وللمؤسسات المنتخبة ولتحقيق أهداف الثورة.
ثانياً: تحتاج القرارات المصيرية التى يصدرها الرئيس إلى مزيد من التشاور مع أوسع قاعدة ممكنة من أصحاب الشأن، فى أزمة النائب العام ربما كان ينبغى الاجتماع أولاً بالهيئات القضائية وبالنائب العام نفسه وبكبار الفقهاء القانونيين وغيرهم من القوى السياسية وترتيب الأمر جيداً قبل الإعلان عنه، فمغادرة شخص النائب العام مطلب جماهيرى.
ثالثاً: تحتاج مؤسسة الرئاسة إلى حساب احتمالات المخاطر فى كل خطوة مصيرية تتخذها؛ ولأن معظم قرارات الرئيس مصيرية فى واقع الأمر، فأعتقد أن وجود هيئات سياسية متخصصة أمر ضرورى، وفى مقررات العلوم السياسية بالغرب هناك مقرر باسم (تحليل المخاطر السياسية) درسنا فيه أثر القرارات السياسية على أوضاع الاقتصاد خاصة الاستثمار والتنمية وأثر الاقتصاد على السياسة، فى أزمة النائب العام، وفى غيرها من الأزمات، تأثرت البورصة بالسلب بقرارات سياسية كانت تحتاج إلى مزيد من الدراسة.
رابعاً: تحتاج مؤسسة الرئاسة إلى هيئة استشارية اقتصادية تضم فريقاً من المتخصصين فى الاقتصاد بجميع فروعه. لا يمكن لمصر فى ظروفها الحالية ألا يكون بجوار رئيسها، ولا بجوار رئيس وزرائها، خبراء فى الاقتصاد الكلى، والموازنة العامة، والبورصات والأسواق المالية، واقتصاديات التصنيع، والتنمية، والاقتصاديات الدولية. الدول الحديثة لا تعتمد على رأى شخص أو اثنين، وفى البيت الأبيض مجلس للمستشارين الاقتصاديين من عضوين أساسيين بجانب عدد كبير من الخبراء يقومون بالبحوث ويقدمون النصح للرئيس.
خامساً: لا بد من الاهتمام بآثار القرارات السياسية على رجل الشارع العادى ونظرته إلى مؤسسة الرئاسة وتحركات الرئيس. لا بد أن تختلف مصر الجديدة شكلاً وموضوعاً عن مصر قبل 25يناير. ما حدث بالإسكندرية فى زيارة الرئيس الأخيرة يحتاج إلى مراجعة، فالانطباع لدى المواطن العادى هو أن الأمور لم تتغير إلا فى شخص الرئيس، فقد تم تنظيف الطرق المحيطة بالمكان وتم غلق المنطقة أمنياً بشكل شبه كامل.
فى مصر الجديدة، لا بد أن يكون الرئيس وسط الجماهير بإجراءات أمنية غير مبالغ فيها وبدون عمليات تنظيف أو تشجير، فالرئيس مرسى يعرف مصر جيداً وكان منذ شهور قريبة يسير فى شوارعها مثل غيره من الناس، وأنا على يقين أنه لم يطلب القيام بهذه الأمور، لكن باستطاعته الآن أن يأمر بعدم القيام بها فى المستقبل.
قوات الأمن اعتادت على هذا الشكل من التأمين لكن يجب عليها تغيير هذا الأسلوب للأبد، والمحافظات والمجالس المحلية تعودت على استقبال الرئيس بتزيين وتنظيف الطرقات، لكن هذا لا بد أن يتوقف أيضاً، بل لا بد أن يزور الرئيس القرى والأحياء الفقيرة والمهمشة والاطلاع على أحوال الناس كما هى؛ ثم يبذل كل الجهد الممكن لتطويرها وتخفيف معاناة الأهالى.