دراسة بحثية لـ«الفكر والدراسات الاستراتيجية» عن اتجاه الدولة للارتقاء بالصناعة.. دعم المنتج المحلي وزيادة الإنتاج
الباحثة هبة زين
أعدت الباحثة هبة زين بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة عن الأوضاع الاقتصادية الراهنة في مصر؟
وذكرت الدراسة أنّ الأوضاع الاقتصادية الراهنة تؤكد يومًا تلو الآخر بما لا يدع مجالًا للشك أنه لا مناص من تحريك عجلة الإنتاج والاستثمار والتصنيع بمصر؛ فالحل الحقيقي لمحاربة التضخم المتزايد وارتفاع الأسعار –خاصة أن غالبيته مستورد- يكون عن طريق تقليل فاتورة الاستيراد، من خلال: زيادة الإنتاج، واستبدال المنتج المحلي بنظيره الأجنبي ما أمكن.
وأوضحت أن الحل الأمثل الآن هو التوجه نحو دعم التصنيع المحلي وتوطين الصناعة. والتساؤل الآن ما هو واقع القطاع الصناعي؟ وهل الأمر مجدٍ في حل الأزمة الاقتصادية الراهنة؟ وما هي الجهود التي تم ويتم تنفيذها في هذا الصدد؟
أزمة بعد أزمة
وأشارت الدراسة إلى أن مصر لم تكن بمعزل عن مجريات الأمور بالعالم، فكان للأزمة الروسية الأوكرانية انعكاسها على الاقتصاد المصري، خاصة في ظل الصلات التجارية والسياحية الموسعة بين مصر ودولتي الأزمة، ومختلف دول العالم المتأثرة بالأساس. هذا إلى جانب عدد من التحديات الأخرى، كضعف السيولة الأجنبية نتيجة خروج رؤوس الأموال الساخنة، وتباطؤ معدلات استثمارات القطاع الخاص المصري، وارتفاع فائدة الاقتراض السيادي، وتراجع معدلات جذب استثمارات أجنبية مباشرة.
وتابعت الدراسة بأنّ الأزمة المالية العالمية الحالية أكدت هي الأخرى مواطن الخلل بهيكلية الاقتصاد المصري، فمع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الفائدة عالميًا لتحجيم التضخم العالمي، والذي وصل إلى معدلات غير مسبوقة منذ أعوام بمختلف دول العالم. وتجلي هشاشة قطاعي الصناعة والزراعة، اتضح أن الحل الأمثل لمحاربة التضخم المتزايد داخليًا، يكون عن طريق زيادة الإنتاج، لتعزيز التصدير وتخفيض حجم الواردات كوسيلة لتعزيز النقد الأجنبي بمصر، وذلك من خلال دعم وتوطين الصناعة المحلية، ففتح الاستيراد في الوقت الحالي سيسهم في زيادة التضخم.
وأشارت إلى أن معالجة الأزمة المالية تتطلب حسن إدارة الموارد ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي، وتنشيط الاستثمار وإعادة بناء القاعدة الصناعية، والعمل على زيادة الموارد الدولارية خاصة من الصادرات والاستثمارات المباشرة وتحويلات المغتربين في الخارج والسياحة. والعمل على تشجيع القطاع الخاص المصري على استثمار أمواله في مشاريع الدولة، وممارسة مختلف أشكال النشاط الاقتصادي فيها، بما في ذلك المشروعات الكبيرة التي تساهم في تحديث البنية التحتية. بما يسهم في النهاية في معالجة مشاكل البطالة عن طريق خلق فرص عمل، وتقديم التنوع المطلوب للدخل القومي، وتقليل تصدير المواد الخام.
إجراءات التحفيز
وبينت أن مصر تمتلك مقومات الصناعة الطبيعية والصناعية، فتمتلك موقعًا جغرافيًا مميزًا، ومناخًا معتدلًا يناسب أغلب الصناعات، هذا إلى جانب توافر المواد الخام، ومصادر الطاقة اللازمة للصناعة، هذا بخلاف الأيدي العاملة الماهرة المتوفرة بمصر، وامتلاك شبكة مواصلات وطرق متطورة. إلا أن طريق تنمية الصناعة لم يكن لعقود بل وما زال غير ممهد بالقدر الكافي للتحول إلى دولة صناعية رائدة؛ فقد عانى القطاع الصناعي لسنوات من بعض المعوقات التي حالت دون تنمية وازدهار القطاع.
وأوضحت أن الأمر قد تغير كليًا في ظل دعم القيادة السياسية الحالية، فكثيرًا ما شدد الرئيس السيسي خلال مداخلات متفرقة على ضرورة دعم القطاع الصناعي، كان آخرها أثناء تفقد هيئة قناة السويس وافتتاح القرية الأولمبية للهيئة، في الثامن من الشهر الجاري، حيث أكد ضرورة حل قيود اعتمادات البنوك، للإفراج عن مستلزمات الإنتاج المطلوبة لتحريك عجلة الإنتاج لتحقيق حلم الـ 100 مليار دولار صادرات مصرية، ووجه بأن يتم إقامة مؤتمر اقتصادي بنهاية الشهر الجاري بحضور المستثمرين ورجال الصناعة لوضع حلول فعالة في هذا الصدد.
وذكرت الدراسة أنه لتحقيق الهدف الأسمى بتصدير 100 مليار دولار، لم تتوان الدولة في السير نحو توطين الصناعة في مصر، وزيادة المكون المحلي، ونقل الخبرات والتكنولوجيا المطبقة عالميًا إلى الصناعة المحلية، لذا كان أحد أهم وأبرز هذه الخطى إعادة هيكلة الاقتصاد المصري مرة أخرى، فقد تم اعتماد البرنامج الوطني للإصلاح الهيكلي، وركيزته الأساسية تتمثل في توسيع الوزن النسبي لثلاثة قطاعات هي الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وذلك من خلال تعزيز بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص، بجانب تحسين كفاءة سوق العمل ونظام التعليم والتدريب التقني والمهني، رفع مستوى حوكمة وكفاءة المؤسسات العامة، وتعزيز الشمول المالي وتسهيل الحصول على التمويل، بالإضافة إلى تعزيز تنمية رأس المال البشري من التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
وأكدت أنه خلال السنوات القليلة الماضية اتجهت الدولة نحو تنمية الصناعة وتوطينها، واتخذت عدة خطى من شأنها إزاحة المعوقات التي تعرقل مسيرة تنمية الصناعة بمصر، وتحفيز الاستثمار في قطاع الصناعة، لما يمثله هذا القطاع من أهمية لمجمل الاقتصاد المصري بوصفه طوق النجاة للاقتصاد خلال الفترة القادمة، وكان من أبرز هذه القرارات:
طرح الأراضي الصناعية بنظام حق الانتفاع:
ونوهت بأن الدولة اتجهت مؤخرًا إلى إتاحة الأراضي الصناعية بتكلفة مرافقها فقط، أو بحق الانتفاع، دون مساعي لتحقيق أي ربح من خلال طرحها لتحل تحدي غلاء الأراضي الصناعية الذي كان يعاني منه المستثمرون، فكان يبلغ سعر المتر الواحد من الأرض في المناطق الصناعية، بمدن العبور أكثر من 110 دولارات متجاوزًا متوسط السعر العالمي بعشرات الأضعاف.
وأشارت الدراسة إلى تكليف هيئة التنمية الصناعية بسرعة إصدار التراخيص الصناعية: وذلك من خلال تعاملها المباشر مع أي جهة حكومية نيابة عن المستثمر الصناعي.
سرعة البت في طلبات الاستثمار الصناعي:
وذكرت أن الهيئة العامة للتنمية الصناعية قامت بإنشاء وحدة مُختصة من كافة الإدارات المعنية لاستقبال طلبات راغبي الاستثمار الصناعي تعمل وفقًا لعدد من الآليات التي من شأنها أن تُسهم في الانتهاء من دراسة مختلف الطلبات المُقدمة خلال 15 يوم عمل، وتم تشكيل ثلاث لجان فرعية من مختلف جهات الولاية، إحداها تختص بتوحيد إجراءات تخصيص الأراضى، وأخرى لتسعير الأراضي، والثالثة للبت في دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية بشأن الطلبات المقدمة من راغبي الاستثمار الصناعي، تمهيدًا لعرضها على أعضاء اللجنة الرئيسة المُشكلة بالقرار رقم 2100 لسنة 2021.
وذكرت الدراسة أن قامت اللجنة المُشكلة بالقرار رقم 2100 لسنة 2021، بالموافقة على إتاحة وتخصيص الأراضي الصناعية للمشروعات الراغبة في الاستثمار الصناعي لعدد 87 مشروعًا، بها مشروعات توسع، وتخصيص جديد، بإجمالي مساحة 810982 م2 في عدد من المحافظات.
منحة الرخصة الذهبية لعدد من المجالات ذات الأولوية
ونوّهت بأن ذلك لـ3 قطاعات وهي الهيدروجين الأخضر، وصناعة السيارات الكهربائية والبنية التحتية، ومشروعات تحلية مياه البحر والطاقة المتجددة، وتمنح هذه الرخصة موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته وتراخيص لبناء المشروع وتخصيص المنشآت اللازمة له.
التوسع في إنشاء المجمعات الصناعية
يأتي ذلك بهدف تعميق وتوطين التصنيع المحلي، إضافة إلى إحلال الواردات، وقد افتتحت الحكومة المصرية، العام الماضي، 5 مجمعات صناعية في محافظات الأقصر، بني سويف، المنيا، البحر الأحمر، قنا بإجمالي 1178 وحدة تعمل في قطاعات مواد البناء والصناعات الكيماوية والهندسية والغذائية والنسيجية ومواد البناء الديكورية، وتستهدف التوسع في إنشاء المجمعات الصناعية.
تمهيد الطريق أمام القطاع الخاص
وتابعت الدراسة بأنّ الحكومة اتخذت خلال مرحلة ما بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي زمام المبادرة في الاستثمار ودفع النمو الاقتصادي، من خلال ثلاثة محاور رئيسية، وهي: إطلاق إصلاحات اقتصادية، وضخ استثمارات حكومية داعمة، وتنفيذ مشروعات قومية.
واستكملت الدراسة بأنه قبل ضخ الاستثمارات الحكومية (قبل عام 2014)، نجد أن هناك ارتفاعًا بمعدلات البطالة الإجمالية لتصل إلى 13.2% عام 2013 وما يستتبعه من زيادة لمعدلات الفقر والتي وصلت إلى 26.3% في العام نفسه، وذلك لأن الدولة المصرية دولة تنمو سكانيًا وتحتاج كل عام إلى خلق فرص عمل جديدة تقدر بحوالي 800 ألف فرصة عمل. وفي المقابل، انخفض صافي احتياطي النقد الأجنبي إلى 13.6 مليار دولار، وارتفع عجز الموازنة في هذا التوقيت بنحو 13%، وانخفض معدل النمو الاقتصادي إلى 2.2%، وتراجع تصنيف مصر في المؤسسات الدولية 6 مرات خلال عامين.
وأكدت الدراسة أنه في هذا الصدد، أعلنت الحكومة مايو الماضي عن وثيقة سياسة ملكية الدولة، لتعلن عن خريطة الأنشطة الاقتصادية التي تتواجد بها الدولة خلال العشر سنوات القادمة. لتشجيع القطاع الخاص على الانخراط في النشاط الاقتصادي خاصة بالمشروعات القومية ومشروعات البنية التحتية. فمن المستهدف أن يصل نصيب القطاع الخاص إلى نحو 65 في المئة من إجمالي الاستثمارات المنفذة في غضون أربع سنوات، وذلك بدلًا من حصته التي تبلغ نحو 30 في المئة الآن.
الإصلاحات التشريعية
وذكرت أن الدولة اعتمدت عددًا من القوانين والإجراءات لتحسين بيئة الأعمال في مصر، كقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الاستثمار، والإصلاح الضريبي، بجانب تفعيل الخريطة الاستثمارية، إضافة إلى التعديلات التي تمت على قانون المؤسسات العامة، وقانون الجمارك، والتعديلات على قانون سوق رأس المال، وقانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب البعد القانوني والمؤسسي.
برنامج الطروحات للشركات الحكومية
وأكدت الدراسة أنه تم إنشاء البرنامج لإدراج عدد من الشركات المملوكة للدولة في البورصة المصرية؛ بهدف تنشيط أسواق رأس المال في مصر من خلال طرح حصص في الشركات المملوكة للحكومة للمواطنين وللمستثمرين المحليين والدوليين وتنويع قاعدة الملكية. ومن المقرر بيع أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار، للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي في غضون 4 سنوات، وبمعدل 10 مليارات دولار كل سنة.
إعداد الإطار الاستراتيجي للشراكة من أجل التنمية المستدامة بين مصر والأمم المتحدة 2023-2027
وبينت الدراسة أن الذي يهدف إلى دعم أولويات وجهود الحكومة المصرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية استنادًا إلى ما تحقق من جهود تنموية في الإطار الاستراتيجي للشراكة للفترة من 2018-2022. وفي هذا الصدد فإن التمويلات الجارية الموجهة للهدف التاسع المعني بالصناعة والابتكار والهياكل الأساسية تبلغ حاليًا نحو 5.7 مليار دولار تمثل نسبة 22.3% من إجمالي التمويلات التنموية وينفذ من خلالها 118 مشروعًا.
خطة الـ 100 إجراء لتحفيز قطاع الصناعة وتنمية صادراته
وتابعت بأن يشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر: حوكمة منظومة استغلال الأراضي للوصول إلى أفضل آلية ممكنة للاعتماد عليها وبما يتيح الاستغلال الأمثل للأراضي الصناعية بشكل كامل، لدعم خطط التنمية الصناعية ومتابعة مدى جدية المستثمرين في مباشرة الأنشطة الصناعية المستهدفة بالأراضي المخصصة لهم، وإعادة تخطيط المساحات الشاغرة بالمناطق الصناعية والاستثمارية، وتنفيذ البنية التحتية لها وطرحها للاستثمار في ضوء الاحتياجات الفعلية لكل محافظة، مع وضع نظام تسهيل إجراءات للمستثمرين.
وأوضحت الدراسة تشكيل مجلس لإحلال الواردات وتعميق المنتج المحلي: في نوفمبر 2021، وافق مجلس الوزراء على تشكيل المجلس ويختص المجلس بالمتابعة والتحليل المستمر لبيانات هيكل الواردات، بالتعاون مع الجهات المعنية بوزارة التجارة والصناعة.
وتابعت بضرورة منح تسهيلات وإعفاءات ضريبية للشركات الناشئة في بعض القطاعات تستمر مدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، وإنشاء لجنة تحت إشراف رئيس الوزراء مباشرة مهمتها حل مشاكل المستثمرين.
وأوضحت الدراسة أن الإجراءات التي تم اتخاذها كان لها انعكاسها على تحسين وضع مصر بمؤشر ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي بستة مراكز لتصل إلى 114 من أصل 190 دولة، حيث نفذت مصر خلال فترة تصنيف المؤشر، أربعة إصلاحات للأعمال، لتسجل ثاني أكبر عدد من الإصلاحات التي تم إجراؤها بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأكدت احتلال مصر كذلك المرتبة الثانية بين أكثر الوجهات العربية جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2020، وأكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا في عام 2020، حيث استحوذت التدفقات الواردة إلى البلاد على 15٪ من إجمالي 39.8 مليار دولار قادمة إلى القارة.
وأشارت الدراسة إلى أنه بالفعل استطاعت الدولة تحقيق عدة نجاحات في مجال توطين الصناعة، بعدة قطاعات صناعية، كصناعة الإلكترونيات، وصناعة السيارات الكهربائية، ومستلزمات السكك الحديدية، وصناعة اللقاحات، وصناعة الأسلحة المتقدمة.
وذكرت أن أغلب هذه الصناعات من نوع رأس المال المكثف، وهي صناعات تتطلب أموالًا كثيرة فيجب أن تباع بكميات كبيرة من أجل تحقيق عوائد وأرباح كافية لتعويض تكاليف إنتاجها وتصنيعها، لذا يجب الإسراع بعقد شراكات تصنيع وتوريد لدول الجوار لتحقيق أرباح عن هذه الصناعات وليس سد الاحتياج الداخلي فقط.
واستكملت الدراسة أن الصادرات المصرية غير البترولية استطاعت تحقيق معدلات تاريخية غير مسبوقة وفي ظروف استثنائية تتمثل في أزمة جائحة كورونا خلال عام 2021، حيث بلغت 32.34 مليار دولار لتشكل 71.5% من إجمالي الصادرات، وهو أعلى رقم تم تحقيقه في تاريخ الصادرات.
وتابعت الدراسة أن الصادرات البترولية نمت لتصل إلى 12.9 مليار دولار، ليبلغ إجمالي الصادرات 45.2 مليار دولار، ليتخطى أعلى رقم حققته الصادرات المصرية في عام 2010/2011 والذي قدر بحوالي 36.7 مليار دولار.