صدر التقرير الوطنى لمصر حول مكافحة الإرهاب عن وزارة الخارجية المصرية فى نحو 50 صفحة، تحت عنوان: «جهود الدولة المصرية ومقاربتها الشاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المؤدى إلى الإرهاب».
والملاحظة الأولية أن التقرير اعتمد فى مقاربته لجهود مكافحة الإرهاب على استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، التى منها: التدابير الرامية إلى معالجة أسباب الإرهاب، وسبل الوقاية منه، وبناء القدرات الوطنية، وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة، وضمان احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون كضرورة لمكافحة الإرهاب.
ثمة إشكالية واجهت التقرير مرتبطة بعدم وضع تعريف محدد للإرهاب، وهذه الإشكالية ترتب عليها عدم وجود مؤشر عربى للإرهاب، علاوة على عدم وجود مؤشر خاص لكل دولة على غرار مؤشر الإرهاب العالمى، ما يجعل جهود مكافحة الإرهاب مبعثرة وكثيرة وأحياناً متعثرة.
وتتعدد دوافع الإرهاب والتطرف إلى دوافع سياسية وإثنية وفكرية، وتتفرع إلى: ما يرتبط بطبيعة المجتمعات المفككة، والظروف الطبيعية كالجفاف وقلة المطر والتصحر والصراعات الداخلية، ومناطق الصراع الدينى، واستشراء الفساد السياسى والمالى والإدارى، والتهديدات البيئية: أزمة الأمن المائى، والتغيرات المناخية، وأزمة الأمن الغذائى، والتركيز على المواجهة العسكرية فقط.
ومن هذا المنطلق قدم التقرير عرضاً مفصلاً لمحاور المقاربة الشاملة التى تتبعها مصر للتعامل مع الأبعاد المختلفة للظاهرة، خصوصاً فيما يتعلق بمعالجة جذور المشكلة، ولذلك ركز التقرير على المواجهة الشاملة للتنظيمات الإرهابية، ولم يقصرها على الجانب الفكرى والأيديولوجى والأمنى، بل جعل مكافحة الإرهاب تتخذ مسارات مختلفة، متعلقة بالتنمية، والاقتصاد، والعدالة، والحريات، وحقوق الإنسان، وتمكين الشباب، والاهتمام بالمرأة، وأخيراً مؤتمر المناخ المرتقب، وإن كان التقرير لم يشر إليه.
رصد التقرير دور المؤسسات الدينية المصرية الرامية لمواجهة التطرف، إلا أنه من الملاحظ أننا نحتاج لتطوير أكثر نجاعة فى مواجهة التطرف بعيداً عن الطرق التقليدية، لأن موجات الإرهاب التى شهدتها مصر فى السبعينات والثمانينات كانت تعتمد على بنية فكرية، وعلى تواصل واحتكاك مباشر لنشر الأفكار المغلوطة بين الشباب عبر الكتب وأشرطة الكاسيت، وكانت تحتاج إلى استقطاب واجتذاب أكبر قدر من الشباب، لكن الآن بات الاستقطاب الأكثر هو المعتمد على اجتذاب النفسية المحتقنة والمنفجرة على السوشيال ميديا، ويكون الاعتماد على الأبعاد النفسية، وبالتالى تراجع الجانب الفكرى إلى حد كبير، وقد أغفل التقرير الإشارة إلى البعد النفسى.
فجَّر التقرير مفاجأة حين ذكر أن: «قوات إنفاذ القانون تمكنت من القضاء على البنية التحتية لتنظيم أنصار بيت المقدس، وهو تنظيم مكون من عناصر محلية لا يرتبط تنظيمياً أو عملياتياً أو تمويلياً بما يُسمى تنظيم داعش الإرهابى»، بعكس ما كان سائداً بين الباحثين من أن تنظيم أنصار بيت المقدس يتبع «داعش»، وذكر التقرير أن التنظيمات الإسلامية الحركية ترجع مصادر استمدادها إلى سيد قطب وحسن البنا، وسبق أن كتبنا عدة مقالات هنا لتأكيد هذا المعنى.
وقد ركز التقرير على الأبعاد المختلفة فى مكافحة التنظيمات المتطرفة كالبعد التنموى، ورفع مستوى معيشة المواطن المصرى، وتحقيق العدالة، والاهتمام بالصحة والمرأة والشباب ومعالجة مشكلة البطالة، والتذمر من ارتفاع الأسعار، ومبادرات تطوير الريف المصرى، ومشروعات تطوير البنية التحتية، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، ومشروعات التنمية فى سيناء، إيماناً منه بأن المقاربة الشاملة للتصدى للإرهاب والفكر المتطرف مدخلها التنمية المستدامة والرخاء الاقتصادى والاجتماعى، واعتماد مبادرات لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية للمواطن، ما يسهم فى خلق بيئة طاردة للإرهاب والتطرف.