أبناء «الجاليات المصرية» يروون لـ«الوطن» تفاصيل اللقاء مع «السيسى»
أعمارهم تتراوح بين 16 و30 سنة على أقصى تقدير، ملامحهم مصرية لم تتأثر بولادتهم وإقاماتهم فى الخارج، لكن أغلبهم لا يجيدون اللغة العربية، وقليل منهم فقط من يحاول التحدث بكلمات عربية تتخللها لغات متعددة فى جملة واحدة.. هم أبناء الجاليات المصرية المقيمون فى الخارج، والمشاركون فى الملتقى الرابع لأبناء الجاليات المصرية الذين جاءوا بصحبة أسرهم إلى مصر فى زيارة مختلفة، وهى المرة الأولى هذا العام التى يلتقون فيها برئيس الجمهورية بعد دعوته لهم، ويشعرون بحفاوة الترحيب بهم فى كل مكان يتوجهون إليه، سواء فى جولاتهم السياحية، أو زياراتهم للمشروعات المهمة مثل مشروع محور قناة السويس، وقد أخذوا على عاتقهم مهمة تصحيح صورة ما يحدث فى مصر إلى الدول التى يقيمون فيها وينتمون إليها، وحملوا أسئلة كثيرة نقلوها من 13 دولة ليعودوا سفراء لمصر فى الخارج.[ThirdImage]
بمقارنة بسيطة بين حال مصر فى السنوات الثلاث الماضية وهذا العام على مستوى العلاقات الخارجية، يقول مهدى العفيفى (50 عاماً)، عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، رئيس وفد الجالية المصرية: «هذا العام هو الأفضل على الإطلاق، وهو ما لن يشعر به أحد سوى العاملين بالخارج، والجاليات المصرية فى أى دولة أخرى، وسبب الاختلاف هو أن مصر لم تعد تقصر علاقاتها على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، لكنها انفتحت فى العلاقات مع روسيا والصين وغيرهما، وهى خطوة مهمّة أخرجت مصر من صورة الخاضع لمعسكر معين».
ويضيف «العفيفى»: «فى زيارتنا هذا العام جئنا لنقول شكراً بكل ما تعنيه الكلمة عن تطور السياسة الجديدة التى اتبعها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الملف الخارجى، فقد صحح الكثير من المشكلات التى رصدناها، خاصة أننا عانينا من وجود ألسنة تنادى بقطع العلاقات المصرية-الأمريكية، وهو حديث لا ينم إلا عن جهل بطبيعة العلاقات السياسية بين الدول، لكن سرعان ما تخطى الرئيس كل تلك النداءات وكانت زيارته ولقاؤه بالرئيس الأمريكى باراك أوباما خير دليل على ذلك مع ذكاء فى عدم الاعتماد الكلى على أمريكا فحسب بل بالانفتاح على دول أخرى مثل روسيا».
وانتقد «عفيفى» أداء وزارة الشباب والرياضة فى العديد من النقاط التى قال إنها أثارت استياء بعض أعضاء الجالية بشكل واضح، بداية من انتقاء من يقابلون السيسى، إذ كان من المفترض، بحسب «عفيفى»، وفقاً لاتفاق مسبق أن يكون هناك ممثلون من كل دولة من الـ13 الذين جاءوا لحضور المؤتمر، وقال: «لكن ما حدث أنه تم انتقاء الأقل حديثاً، والأهدأ نقداً للقاء السيسى فتم استبعاد عدد من أعضاء الجالية ممن حملوا مشكلات مصريين بالخارج، أو ممن تحدثوا خلال المؤتمر بشكل ناقد لبعض الأوضاع فى مصر، وكان من المفترض أن أكون ممن سيقابلون الرئيس، لكنهم بعد حوارات طويلة انتقوا من بيننا الأقل نقداً، وكان ذلك واضحاً بشدة، وقتها تجمع أعضاء الجالية، وتوقعنا جميعاً أن الأمر لن يكون أكثر من التقاط صور للرئيس معنا فقط كشكل تنظيمى وبروتوكولى ليس أكثر، وأصبنا بإحباط شديد من أن حال البلد لن يتغير، ولكن جاء الرئيس بعكس كل التوقعات فكان من وجهة نظرنا أول رئيس يحمل فى يده ورقة وقلماً ليدوّن بها بنفسه كل الملاحظات التى جاءت الجالية بالفعل لنقلها إليه، بل كان أكثر واقعية أيضاً مما توقعنا، فعندما تحدث إليه البعض عن أكثر ما يؤرقنا فى مصر، وهى مشكلة القمامة، أجاب بشكل صريح وواضح بأن الأمر لن يحل بسهولة لأنها أزمة كبيرة تحتاج لفترة كبيرة ليس فقط لحلها فحسب، بل أيضاً لتغيير سلوك المواطن ليعتاد على أن يحافظ على بلده، ومن خلال إجاباته تلك تأكدنا أن مصر على طريق التغيير، فلم يعد هناك رئيس يطلق أحلاماً ووعوداً لن يحاسبه أحد على عدم تحقيقها، بل بالعكس، اليوم مصر بها رئيس لديه النية أن يسمع المشكلات ويواجهها بصدق، على عكس بعض المسئولين الذين ما زالوا يتبعون الطرق القديمة فى إقصاء كل من ينتقد سياستهم».
وتابع «عفيفى»: «وزارة الشباب والرياضة اسم ليس على مسمى تماماً، فلم أجد بها شاباً فى موقع مسئول، الكل كبار وشيوخ، الوكيلة الفلانية سيدة عجوز، والمستشار الفلانى رجل بلغ من العمر أرذله، ماذا تنتظر من شخص ظل فى موقعه لسنوات حتى وصل إلى منصب ما، النتيجة أنه لن يكون مبدعاً فى مكانه على الإطلاق، كما أنه يجهل تماماً التكنولوجيا الحديثة، وانتقدت ذلك وبشكل واضح لمسئولى الوزارة، مستشارة الأمن القومى للرئيس الأمريكى لم تبلغ الثلاثين من عمرها، وفى مصر وزارة الشباب يتحكم بها كهول».[FirstQuote]
ويشرح «عفيفى» طبيعة ما يراه الغرب عن مصر، ولماذا ظلت الصورة غير واضحة لفترة كبيرة بعد «30 يونيو» معللاً ذلك بأن الوجود المنظم لتيار الإسلام السياسى وتنظيم الإخوان تحديداً فى الخارج كان له دور واضح لم يجد من يصححه منذ البداية، ويقول: «فى الوقت الذى حرصت فيه الجماعات الإسلامية على وجود منظمات تتحدث باسمها فى كل دول العالم بشكل ممنهج ومنظم، ربطت بشكل واضح بين الإسلام ديناً والسياسة بشكل واضح، ولم يوجد من يصحح تلك المفاهيم لذا مع قيام ثورة 30 يونيو باتت الصورة المنقولة للغرب شعوباً وأنظمة أن ما يحدث هو قمع للإسلام من الدرجة الأولى، وغياب ملامح النظام الجديد، وفى هذا الوقت كان الإعلام المصرى كما تعودنا عليه دوماً يتحدث لنفسه، وليس هناك أى تواصل بينه وبين الغرب لينقل إليه الصورة الصحيحة»، وتابع: «لم نقف مكتوفى الأيدى، بل شكلنا جبهة سند مصر، على سبيل المثال فى أمريكا التقينا برجال السياسة فى الولايات المتحدة وشرحنا لهم حقيقة الأمر، وأن التيار الإسلامى لا يمثل مصر، لأن مصر بها مسلمون ومسيحيون، ومن قبل كان بها يهود، وبالتالى هؤلاء لن يعبروا بشكل أو بآخر عن بلد بأكمله، أتذكر جيداً عندما انقطع الإنترنت عن مصر يوم 28 يناير 2011، لم نجد من يعرفنا ما يحدث، حتى إننا وقتها توقعنا أن يكون كارثة طبيعية وقعت فى مصر، زلزال أو ما شابه، والإعلام يحدث نفسه أيضاً، وبعد معرفتنا بما حدث علمنا وقتها مصطلح أن مصر هى الدولة الوحيدة التى يتم فيها التحكم فى الإنترنت بمفتاح يتم تشغيله أو إيقافه كيفما يشاء النظام».
«بسنت بدر»، تبلغ من العمر 23 سنة، من أبناء الجالية المصرية، قالت: «هناك مشكلات كثيرة تعانى منها مصر، لكن هناك طاقة أمل كبيرة شعرنا بها عندما ذهبنا إلى مشروع قناة السويس الجديدة، وشاهدنا المشروع وأعمال الحفر والمياه التى تخرج من الأرض، الأمر الذى جعلنا نعرف جيداً لماذا التف الشعب المصرى حول المشروع، سواء من كانوا هنا فى مصر، أو من المقيمين بالخارج، المستقبل يبدأ من هنا»، وأضافت: «هناك فجوة كبيرة بيننا نحن الجيل الثانى من المصريين المقيمين بالخارج وبين طبيعة الأمور فى مصر، لا يوجد تواصل يجعلنا نعرف ما يدور فى مصر، نحن أجيال ولدت وعاشت خارج البلد، وكنا نأمل أن يهتم أحد بمشاركتنا فى العديد من الأمور فى مصر، أو على أقل تقدير أن نعرف ما يحدث هنا إعلامياً، ولكن كل هذا غائب بشكل كبير ونسعى جاهدين الآن لخلق قنوات تواصل تربطنا بوطننا أكثر من ذلك».
معاناة كبيرة شعرت بها مريم رؤوف، المقيمة فى نيويورك، عندما وجدت أن ما تسمع عنه من مشكلة التحرش فى مصر هو شىء ملحوظ على أرض الواقع، وقالت: «الأولاد لا يجيدون التعامل مع البنات بكل ما تعنيه الكلمة، قرأنا كثيراً عن مشكلة التحرش، ولكن بالفعل نشفق على البنات فى مصر، فلم نعد قادرين على الخروج وحدنا ليلاً بسبب معاكسات الشباب، أو أصحاب السيارات الذين ظلوا يطاردوننا رغم أن ملابسنا ليست فجة أو بها شبهة عرى.. أتذكر جيداً حكايات أمى وأبى عن مصر زمان التى كان الاحترام يسودها، لم يكن هناك شاب يجرؤ على مضايقة فتاة مهما كان شكل ما ترتديه، مشكلة أخرى تؤرقنى بشدة وهى المرور، لماذا لا تقف السيارات عندما تضاء الإشارة باللون الأحمر، أتعجب من عدم قدرة السائقين على اتباع النظام فى أقل صورة له، البلد حدث به ثورة على المستوى السياسى، لكنه الآن يحتاج إلى ثورة لاحترام النظام فى الشوارع».
الأمر نفسه رصدته مروة الحلوانى، المقيمة فى النمسا، وقالت: «الناس تحتاج لتغير من نفسها بالفعل، هناك نقد لمصر بالخارج، نسعى نحن دوماً لتصحيحه، لكن هناك أشياء بحاجة إلى مراجعة هنا من الأساس، ومنها سوء تنظيم المؤتمر على سبيل المثال والرحلات التى قمنا بها، فكيف يتم اصطحاب 150 فرداً لركوب قطار درجة حرارته منخفضة جداً فى طريقنا إلى الأقصر وأسوان دون وجود طبيب واحد يتابع حالة الموجودين، بعض أعضاء الجالية أصيبوا بأمراض مختلفة بسبب التكييف المبالغ فيه داخل القطار، وعدم وجود طبيب يتابع الركاب طوال تلك الرحلة التى استغرقت عدة ساعات، ولكن على الجانب الآخر استقبال محافظ الاقصر وحفاوة أهل البلد فى تعاملهم معنا بالترحيب والفرحة جعلتنا نشعر بتحسن كبير رغم غياب الخدمات».
وأضافت «مروة»: «فكرة أن نلتقى بالرئيس لم تحدث من قبل، فكانت بالنسبة لنا سابقة هى الأولى من نوعها شعرنا فيها باهتمام كبير بكل مصرى يقيم خارج وطنه، وحملتنا بالطبع مهمة أن تكون سفيراً لبلدك بالخارج فى تصحيح المفاهيم وحقيقة الوضع فى مصر، كما أن مشروع قناة السويس بالفعل طاقة أمل شعرنا بها كلنا على السواء، رأينا كم فرص العمل التى ستكون موجودة بسبب هذا المشروع والعائد المادى منه، وأنه بمثابة واجهة عالمية لمصر بالفعل فى حاضرها ومستقبلها».