محمد هيكل يكتب: خطر التغيرات المناخية.. مدن قد نودعها بحلول 2100
محمد هيكل
تقع بعض المدن العالمية في دائرة خطر الاختفاء أو تناقص المساحة الفعلية لها أكثر من غيرها نتيجة عدة عوامل تتعلق بالتغيرات المناخية يأتي على رأسها ارتفاع منسوب البحر وانخفاض مستوى ارتفاع المدينة عن مستوى سطح البحر بالأخص للمدن الشاطئية، إضافة إلى الفيضانات والأمطار الغزيرة، وثقل وزن الأراضي نتيجة لاختلال الضغط السفلي فيها.
وتعتبر التغيرات المناخية المؤدية لذوبان الجليد في القطب الجنوبي العامل الأكثر تأثيرًا كون زيادة معدلات ذوبان الجليد يؤدي بالتبعية لزيادة منسوب البحر وارتفاعه، وزيادة في قوة العواصف والفيضانات على مستوى العالم، إضافة إلى وصول العواصف إلى مدن لم تختبر غضب الطبيعة من قبل، وهو ما يعني زيادة الخسائر وسرعة في انتقال الأمراض، إضافة إلى عددٍ من النتائج السلبية التي يأتي على رأسها اختفاء الأراضي واندثارها، فوفقًا لعددٍ من الدراسات الدولية للمعاهد والمؤسسات المعنية بالمناخ والبيئة والتغيرات الجغرافية، يوجد عددٌ من المدن المهددة بالاختفاء الكامل بحلول العام 2100، وأخرى مهددة بفقدان أجزاء واسعة من أراضيها بحلول العام 2050، وفي هذا المقال نتناول عددًا من أبرز المدن المهددة بالاختفاء، كما خطط الدول المعنية لمجابهة خطر غضب الطبيعة المستقبلي.
البندقية " فينيسيا" – إيطاليا
المدينة المشهورة بممراتها وقنواتها المائية والتي تعتبر أحد أشهر الوجهات السياحية عالميا قد يكون من الصعب زيارتها مستقبلاً نتيجة لخطر اختفائها مع زيادة حدة التغيرات المناخية، فالمدينة الخلابة تغرق بمعدل 0.08 سم2 كل عام، كما تضربها الفيضانات بكثرة وتتعرض للمد العالي، ففي العام 2019 تعرضت المدينة لأسوء موجة فيضانات منذ نصف قرن حيث غمرت المياه 90% من المدينة، كما أدى تآكل السواحل وضخ المياه الجوفية إلى زيادة الوضع سوءًا مع مرور السنين.
ولمنع غرقها شرعت الحكومة الإيطالية في مشروع إقامة حواجز للفيضانات؛ كي لا تكتسح المدينة، وبدأت في تنفيذه العام 2003 لكنه لم يكتمل حتى الآن، ويتألّف مشروع حواجز «موس» الذي تم تصميمه في الثمانينيات من 78 بوابة لـ3 مداخل رئيسية للمدينة تهدف لصد الفيضانات، كما اتخذت الحكومة الإيطالية مبادرة لمنع السفن السياحية الكبيرة من المرور داخل المدينة، لكن عددًا من الخبراء والعلماء الأوروبيين حذروا بأنّ الإجراءات المتبعة غير كافية لحماية المدينة من الخطر.
أمستردام – هولندا
تقع معظم الأراضي في دولة هولندا تحت مستوى سطح البحر، ولعدة قرون تمكّنت هولندا من تفادي مخاطر الفيضانات من خلال نظام السدود والممرات المائية والبحيرات، وهو ما قامت به الدولة الأوروبية بعد مرورها بعدد من الفيضانات التاريخية التي قضت على حياة عشرات الماليين من البشر والحيوانات والماشية نذكر منها فيضان «العاصفة الكبرى» عام 1703، وكارثة فيضان «خليج زاوديرزي» العام 1916، والتي أدت لانهيار عشرات السدود المائية وعشرات الضحايا، وغرق الأراضي، ما ألهم الحكومة الهولندية لتأسيس ما يُعرف بخدمة الفيضانات والعواصف المعنية بدراسة الأوضاع البيئية والمناخية، وتوقع خطر الفيضانات والاستعداد لها.
وعلى الرغم من تقدمها التقني ووجود شبكة سدود ذات تقنية متطورة فإنّ هناك ارتفاع في معدلات مياه البخار، مع استمرار خطر الفيضانات، ويشدد العلماء على ضرورة الصيانة والتطوير المستمر لمنظومة السدود والبوابات المائية فعلى الرغم من تقدم منظومتها لصد الفيضانات فإنّ اقتراب ارتفاع الأراضي الهولندية من مستوى منسوب ارتفاع مياه البحر، قد يؤدي إلى تبعات سريعة لا يمكن التكيُّف معها، إذ إنّ من المتوقع أن يستوي المستويين خلال السنوات العشرة المقبلة، مع توقع تجاوز مستوى ارتفاع سطح البحر عن الأراضي الهولندية، خلال 20 عامًا.
الإسكندرية – مصر
يقدر العلماء أن يرتفع منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط بمقدار 30 سم إلى 100 سم بنهاية القرن الحالي، فوفقاً لدراسة صادرة عن البنك الدولي، فإنّ ارتفاع منسوب البحر المتوسط بمقدار متر يعني اختفاء من 10 لـ12% من مساحة الدلتا، ما سيؤدي لنزوح 10% من سكان مصر إلى محافظات بعيدة عن ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتشير الدراسة ذاتها إلى اختفاء 58 مترًا من ساحل رشيد منذ عام 1989 وصولًا إلى عام 2007، وبالعودة للحديث عن الإسكندرية فمن المعروف لنا أنّ المدينة الساحلية تغرق شوارعها الأمطار في موسم الشتاء، لكن كان ارتفاع الأمواج خلال السنوات القليلة الماضية مؤشر خطرٍ للعلماء، مما قد تتعرض له المدينة مستقبلاً، إذ بدأت مياه البحر المالحة في التسرب لمستويات لم تصل لها من قبل ما ينذر بخطر على سواحل المدينة.
كما تتنبأ دراسة أجرتها منظمة المناخ المركزية، عام 2018، بغرق مساحة تصل إلى 734 كيلومترًا في دلتا النيل بحلول عام 2050، ويتوقع أن تتوسع تلك المساحة إلى 2660 كيلومترًا بحلول نهاية القرن، ما يعني تعرض كامل مساحة الإسكندرية لخطر الغرق، استجابةً لذلك تقوم الحكومة ببناء حواجز ساحلية؛ لمنع تسرب المياه المالحة، وصد الفيضانات، كما أن هناك صيانة دورية ومستمرة لمخرات السيول، والعمل بأسلوب الإنذار المبكر فيما يتعلق بأي تهديد مناخي بهدف حماية الشريط الساحلي للمدينة التاريخية وأراضيها من خطر الغرق، ويوصي العلماء والخبراء في هذا الصدد بضرورة فهم كامل وعميق لحجم الخطر الممكن، ما يُمكّن الحكومة المصرية من تبني استراتيجية مناخية تستهدف حماية مدنها من خطر الغرق.
مدينة البصرة – العراق
المدينة الساحلية العراقية تتعرض لخطر الغرق نتيجةً لارتفاع معدلات مياه البحر في الخليج العربي كما أن المدينة تعج بالجداول والقنوات المائية الأمر الذي أدى بالتبعية لزيادة المستنقعات المائية المحيطة بها ما أدى بدوره لزيادة ثقل وزن أراضي المدينة الأمر الذي يسرع عملة «غرقها» في مياه شط العرب الذي بدوره ترتفع فيه مستويات المياه نتيجة مباشرة لذوبان الثلج في القطب الجنوبي، ويتنبأ العلماء بزيادة في الفيضانات التي ستضرب المدينة، خلال السنوات المقبلة، ما يؤدي إلى غرقها جزئيًا أو كليًا بعد عقد من الآن.
بانكوك – تايلاند
تعتبر العاصمة التايلاندية بانكوك أحد أكثر المدن تعرضًا لخطر الاختفاء، فالمدينة التي ترتفع عن سطح البحر بـ1.5 متر، تشير الدراسات إلى أنّها تغرق بمعدل أسرع من أي مدينة أخرى في العالم، حيث تفقد المدينة من 2 إلى 3 سم من ارتفاعها عن سطح البحر، حيث تعتبر العاصمة التايلاندية أحد أكثر مدن العالم تضررًا من التغيرات المناخية، علاوة على ذلك فإنّ المدينة المبنية على تربة طينية كثية، لكنها ناعمة معرّضة لخطر الفيضانات نتيجة لهطول الأمطار الغزيرة ما يعني زيادة احتمالات اختفاء الأراضي.
وفقًا لدراسة نشرتها صحيفة «ذا جارديان» البريطانية، فإنّ سواحل بانكوك وتحديدًا مناطق ثا خام وساموت الساحلية، ومنطقة المطار «سوفارناموبي إنترناشونال» معرّضة للغرق تحت الماء بحلول العام 2030، إذا ما استمر ارتفاع منسوب مياه البحر واستمرار هطول الأمطار الغزيرة، واستخراج المياه الجوفية، وهو ما سيكون له عواقب وخيمة تتمثل في أن المدينة ستواجه مصيرًا منتظرًا عاجلًا وليس آجلًا، ويتوقع علماء أن تختفي العاصمة التايلاندية بالكامل بحلول القرن المقبل.
وشرعت الحكومة التايلاندية في دعم مشروعات تستهدف تخفيف حدة الخطر المقبل عليها حيث انتهت من مشروع إنشاء حديقة بمساحة 11 فدانًا، يمكنها استيعاب مليون جالون من مياه الأمطار؛ للمساعدة في منع خطر الفيضانات بالأخص في موسم الأمطار الصيفي.
كولكاتا – الهند
تعتبر عاصمة إقليم البنغال إحدى أكثر المدن تعرضًا لخطر الفيضانات في العالم الأمر الذي حذّر العلماء من تداعياته على المدينة، ومع استمرارها بشكل سنوي قد تفقد المدينة أكثر من نصف أراضيها بحلول العام 2030 إذا استمرت الفيضانات بذات المعدل، كما قد يؤدي ذلك لاختفائها بشكل كامل بحلول عام 2100، ويواجه المسؤولون في الهند ضغوطًا كبيرة للتحرك والحد من حجم الأزمة المقبلة، خلال 8 سنوات، ما دعى لتشكيل لجان علمية وهندسية متخصصة لإيجاد حلول مبتكرة لمجابهة غضب الطبيعة.
جاكارتا – إندونيسيا
العاصمة الإندونيسية التي يقطنها 10 ملايين مواطن مهددة بالاختفاء الكامل بحلول العام 2050، وقد وصفت من قبل العلماء المتخصصين بمدينة سريعة الغرق، نتيجة لأمرين أساسيين الأول وهو الضخ المفرط للمياه الجوفية، ما يؤدي لتغير في الضغط تحت الأرض، مع زيادة الوزن ما يؤدي لإسراع إغراق الأرض، إضافة إلى ارتفاع معدلات المياه في البحر على المدينة الساحلية، ونتيجة مباشرة لذلك تغرق العاصمة الإندونيسية بمعدل 4 إلى 5 سم سنوياً، وبسبب حجم الخطر وانتفاء أي سبيل لتأجيله أو صده شرعت الحكومة في بناء عاصمة بديلة بمدينة نوسنتارا البعيدة بنحو 2000 كم2، عن العاصمة الحالية.
وتستهدف الحكومة الإندونيسية نقل 10 ملايين مواطن من العاصمة المهددة بالغرق إلى العاصمة الجديدة، لكن سيكون للأمر تكلفة باهظة للغاية إذ يقدر المشروع بـ33 مليار دولار؛ لبناء والانتقال للعاصمة الجديدة خلال 10 سنوات.
باحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية