تصريحات الحكومة والسادة الوزراء المعنيين بسلع وخدمات تقدم للمواطنين كلها خلال الأسابيع الماضية انصبت على رفع الأسعار، وتذكير المواطنين دائماً بأن الخدمة أو السلعة سعرها عالمياً أغلى بكثير من سعرها محلياً، والنموذج الأبرز كان تصريح وزير النقل والمواصلات بأن التكلفة الفعلية لتذكرة مترو الأنفاق ٢٥ جنيهاً، بينما سعرها الحالى جنيه واحد فقط، كما أن السيد وزير الكهرباء رفع فعلاً أسعار الكهرباء دون إخطار المواطنين، واعتبرها الآن مشكلة وأخطاء فقط فى الفاتورة، ثم تصريح خطير للسيد وزير الزراعة دون سابق إخطار بأن الدولة لن تدعم القطن ولن تشتريه من المزارعين، فضلاً عن ارتفاع أسعار الكيماوى، ما يؤدى بالطبع لرفع أسعار المنتجات الزراعية، أيضاً مسئولو هيئة مياه الشرب يدرسون رفع الأسعار لأن متر المياه يتكلف ستة جنيهات، بينما يتم بيعه للمواطنين بأقل من ذلك بكثير، ووزارة الصحة حركت أسعار بعض الأدوية للأمراض المزمنة، فضلاً عن انخفاض مستوى الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين وارتفاع تكلفتها.
لا يمكن لأى حكومة رشيدة أن ينصب كل عملها وسياستها فى تحرير الأسعار فى السلع والخدمات دون النظر إلى دخول أغلبية المواطنين، ومدى قدرتهم على تحمل هذه الأسعار أو قدرة دخولهم على العيش والحياة بهذه الأسعار فى ظل مستوى من المرتبات هو أقل بكثير من مستوى الدخل فى العالم أو متوسطات الدخول وفقاً لإحصائيات البنك الدولى، فمصر من الدول ذات الدخول المنخفضة باستثناء طبعاً طبقة محددة.
الخطورة أن الحكومة فى الحقيقة لا تدرك مدى تأثير هذه السياسات على الاستقرار فى حالة فرضها دون أن تستطيع أن ترفع المرتبات والمعاشات بنفس المعدلات، لن يستطيع المواطنون تحمل هذه الضغوط دون مبرر يذكر سوى الرغبة فى خفض عجز الموازنة دون النظر إلى الآثار الاجتماعية المترتبة على هذه السياسات، لا سيما أن الثورة التى قامت شعارها الأساسى كان العدالة الاجتماعية، بعدما اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء وكادت أن تتلاشى الطبقة الوسطى.
يجب أن توازن السياسات الاقتصادية بين متطلبات الانطلاق الاقتصادى وتحرير الأسعار وبين قدرة المصريين على تحمل هذه السياسات. نعلم وندرك أن الاقتصاد الحر هو الخيار الأساسى لتحقيق تنمية اقتصادية وتشجيع القطاع الخاص ودفعه للإسهام فى المشاريع التنموية يتطلب أسعاراً للسلع والخدمات تحقق أرباحاً لرأس المال، لا سيما الرغبة فى إشراك القطاع الخاص فى مشاريع خدمية مثل إنتاج الكهرباء والمياه ومشاريع النقل والطاقة والبنية الأساسية.
على الحكومة أن تشكل لجنة وزارية من المجموعة الاقتصادية تكون مهمتها الأساسية النظر فى الأسعار بالمقارنة بمتوسط الدخول للمصريين، والقدرة على الإنفاق على الخدمات الأساسية من مياه وسكن وكهرباء ومواصلات وصحة وتعليم وكساء وطاقة وغيرها، وبناء على نتائج هذه الدراسات تنظر فى أى أسعار تريد أن تحركها.
الشركات أيضاً عليها مسئولية فى المساهمة فى تقديم هذه الخدمات وهو ما يسمى بالمسئولية الاجتماعية للشركات سواء بالالتزام بحقوق العمال المنصوص عليها فى المواثيق والاتفاقيات الدولية أو المساهمة فى تقديم المساعدة والعون للمجتمع الذى تعمل وتنتج فيه ليس بمفهوم العمل الخيرى وتقديم مساعدات ولكن فى تحقيق تنمية اجتماعية.
هناك حزمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية محمية بموجب الدستور، ومسئولية الحكومة أن توفرها للمواطنين دون أن ترهق كاهلهم، فرأس المال لديه مسئولية اجتماعية، والدولة مسئوليتها ضمان حصول المواطنين على حقوقهم كاملة ليس فقط الحقوق المدنية والسياسية لكن أيضاً الحق فى حياة كريمة وآمنة وتلقى الخدمات التعليمية والصحية بأسعار تستطيع أن تتحملها دخولهم، فعلى الحكومة أن تكون رشيدة وتعمل لصالح الناس.