خبير مفرقعات: "الموت ينتظرنا كل لحظة.. وأمي وأبي طلبوا مني ترك مهنتي"
مهنته لا يفترض بها الخطأ، وإن حدث سيكون خارج الحياة، وتحصل زوجته على لقب "أرملة"، أصابعه مدربة بدقة على التعامل مع كافة أنواع القنابل والمفرقعات لإحباط مفعولها وتجنب خسائرها، في الوقت الذي تشهد فيه مصر العديد من الأعمال الإرهابية، وتزداد فيه زرع القنابل اليدوية الصنع، والتي كان أخر ضحاياها النقيب ضياء فتحي، أثناء تفكيكه لقنبلة الطالبية، الأمر الذي نمى بداخله مشاعر الخوف والقلق الكامنة، مع أول بلاغ تلقاه بوجود قنبلة أمام مستشفى الشرطة بالعجوزة.
"أول ما تلقيت بلاغًا بوجود قنبلة أمام مستشفى الشرطة قلبي انقبض، وقلت مش هتعامل مع القنبلة، ومش هلبس البدلة من الأساس، واتفقت على كده أنا وكل الفريق المرافق لي في السيارة، وتذكرت الشهيد ضياء فتحي، اللي انفجرت فيه القنبلة في لحظة، لأن الفرق بين الحياة والموت عند ضابط المفرقعات، جزء من اللحظة، وأخبرت قياداتي في العمل بعدم مقدرتي على ارتداء البدلة، لأن أعصابي متوترة جدًا، وذهني غير صاف، ومش عارف أنسى زميلي ضياء، الله يرحمه"، بهذه الكلمات بدأ المقدم تامر تيمور خبير المفرقعات، في حواره لـ"الوطن"، وصف أجواء الترقب والجدية التي تحيط بعمله كضباط مفرقعات بالجيزة في السنوات الأخيرة.
وأضاف "تيمور"،: "طول الطريق من مكتبي إلى مكان البلاغ لم تفارقني صورة زميلي الشهيد لحظة واحدة، وبداخلي قرار نهائي وقاطع لا رجعة فيه بأنني لن أتعامل مع البلاغ في حال إيجابيته، ورأيت أمام عيني منظر أم الشهيد وأبيه وزوجته وابنته الرضيعة، وهم في قمة الانهيار والحزن، والله منظر لا يمكن أن يتحمله بشر على وجه الأرض، الأهل يموتون كمدًا من الأسى والحسرة وهم يحملون جثامين أبنائهم".
وتابع: "من هذا المنطلق قررت عدم التعامل مع القنبلة وهو قرار نهائي لا تراجع فيه، خاصة أنه يستحيل لأي ضابط أن يتعامل مع واقعة كهذه، وهو غير مستقر نفسيًا، واتخذت هذا القرار حتى لا أضع أبى وأمي في نفس الموقف الذي رأيت فيه أهل (ضياء)، والله لم أخشَ الموت، لكن دار في ذهني أمي التي ستموت كمدًا، لو سمعت خبري في يوم من الأيام، خاصة أنني أحمل كفني على يدي في كل خطوة أخطوها، لكنه قدري أن أسير في حقل من الألغام، وأصعب شىء في الدنيا التعامل مع المتفجرات، لأنها مابتهرجش، خاصة أنني وكل زملائي في المفرقعات نؤمن بالله وحده، وبالقضاء والقدر، وننتظر الموت في أي لحظة، وكل مرة بنجح في تفكيك عبوة ناسفة نسجد لله حمدًا وشكرًا، لأنه كتب لنا عمرًا جديدًا، وخلي بالك أنا شفت الموت 87 مرة، هي عدد العبوات الناسفة التي نجحت في إبطال مفعولها، بالعربي كده مت وحييت 87 مرة، لكن بجد أول مرة أخاف بهذه الطريقة، خاصة بعد وفاة ضياء الله يرحمه، كان شجاعًا لا يخشى الموت، وتمنى من الله الشهادة ونالها، وكان بارعًا في التعامل مع المتفجرات ويتمتع بجرأة لا مثيل لها".
وعن طريقة التعامل مع القنبلة قال: "عندما وصلت إلى مكان البلاغ شعرت بالرغبة في التضحية، فقررت في لحظة أن أفدي العشرات من الأبرياء، وأن ألحق بزميلي الشهيد، وقلت لنفسي: أنا مش أقل وطنية من ضياء، وفي لحظة ارتديت البدلة دون تفكير، وبعدها نزلت أجرى من سيارة المفرقعات، وتوجهت إلى مكان البلاغ، في البداية سألت عن مكان الجسم الذي تم العثور عليه، وجدته داخل أوتوبيس نقل عام، كان واقف أمام مستشفى الشرطة بالعجوزة، صعدت ومعي زميلي الرائد حسام الهلالي، واللواء عماد الشلقاني، الذي سبقنا إلى موقع البلاغ، كانت معي الكلاب البوليسية وكل الأجهزة، وعقب تحديد الهدف، نزلت بسرعة من الأوتوبيس لأنى لمحت 4 أشخاص على الرصيف المقابل للمستشفى، أسرعت نحوهم وألقيت القبض عليهم على الفور، وقمت بتفتيشهم وتحفظت على الموبايلات التي كانت بحوزتهم، خشية من أن يكون وسطهم إرهابي يفجر العبوة عن بُعد أثناء تعاملي معها، بعد ذلك توجهت إلى العبوة، وبدأت التعامل معها، وكانت عبارة عن موبايل وجهاز مكثف يستعمل في التفجير وتجهيز القنابل، وحملت العبوة من داخل الأوتوبيس ووضعتها على الأرض وسط الشارع، بعد تمشيط المكان، ونجحت في إبطال مفعولها عن طريق مدفع المياه، وهو عبارة عن رصاصة مياه سعرها 500 جنيه، وعن طريقها أستهدف الدائرة الكهربائية للعبوة لكى أركز عليها وأطلق عليها الرصاصة حتى أبطلها، ومدفع المياه ثمنه 350 ألف جنيه".
وأضاف: "أبي وأمي طلبا مني أن أقدم استقالتي وأترك الشرطة، خاصة أني ألعب بالنار، على الرغم من أن والدي كان لواء شرطة سابقًا، لكنه يقول لي ما كنش في عهدنا خطر مثل هذه الأيام السوداء، ويقول لي: يا ابني أنت لو حصل لك حاجة أنا هموت وراك أنا وأمك، كل هذه الكلمات دائماً ما أتذكرها قبل أن أتوجه إلى أي بلاغ، وعلى فكرة، أنا بخاف أخبر أبي وأمي أنني متوجه لأي بلاغ، لأنهم هيطلبوا مني عدم التوجه إليه، والله أمي بتبكي وبتدعي لي أنا وزملائي ربنا ينجينا من المخاطر والإرهاب، وأنا التحقت للعمل بالمفرقعات في 2001، لكن عمرى كله في كفة وآخر سنتين في كفة تانية".