«أم وحيد« من داخل صندوق خشب: «70 سنة كفاح» ضد المطر
عاشت 75 عاماً فى عشة خشبية، لجأت إلى تكييف أوضاعها مع إمكانياتها الفقيرة التى لم تمكّنها من الاحتماء خلف أربعة جدران ولو من الطين، تتحسب دائماً للشتاء، همها الثقيل الذى لا يرحم شيخوختها، تثقب أمطاره سقف الغرفة الخشبية فتلجأ إلى لملمة أغراضها مرة إلى يمين العشة وأخرى إلى يسارها فى صراع دائم مع المطر قد يستمر لأيام.
الحاجة بشرى، أم وحيد، 75 عاماً، تجلس فى صحبة الهدوء الذى تخترقه رخات المطر، فى عشة خشبية على سريرها المطل مباشرة على أحد شوارع منطقة القابوطى العشوائية ببورسعيد، أمنيتها التى لم تحققها منذ 70 عاماً أن تجد أربع جدران تحميها من برد ومطر الشتاء الذى يزيد من آلام جسدها الهزيل.
«أتناول دواء غالى الثمن وليس معى ثمنه، لكن أهل الخير يدفعون لى ثمنه أحياناً»، هكذا وصفت الحاجة بشرى صراعها مع فصل الشتاء، وتابعت ببسمة رقيقة رُسمت على محياها: «كنت أتحمل البرد، وأغطى سقف المنزل بالأغطية البلاستيك «المشمعات» فى الشتاء، والأيام الحالية وصلت للشيخوخة وأصبح جسدى لا يتحمل البرد، فالأمطار تغرق سريرى فيضطر أحفادى إلى وضع إناء ألومنيوم وقت المطر ثم ينقلنى ابنى والجيران إلى المدرسة الموجودة فى الحى لنحتمى فيها وقت الشتاء ونقضى الليل بعيداً عن العشة أثناء هطول المطر».
وأضافت الحاجة بشرى: «وُلدت بالمنطقة التى سكنها آباؤنا منذ مائة سنة وتزوجت منذ 60 عاماً فى هذه العشة، وأنجبت أولادى، وكانت الحياة جميلة وبسيطة لأننا كنا نتحملها، ثم توفى زوجى وتزوج ابنى معى ويعمل صياداً مثل باقى سكان المنطقة وأنجب 4 بنات لكن الدنيا تغيرت ولم نعد نتحمل العيشة وأتمنى أن يعيش أحفادى حياة أفضل من التى أعيشها وعاشها أبنائى، لأنى أخاف عليهم من الفئران والحشرات والقمامة ومياه الصرف الصحى التى نعيش وسطها، فهذا الجيل لا يتحمل التلوث ويمرضون بسرعة».
وتابعت: «والمحافظة حصرت أسماء سكان المنطقة منذ سنوات وخيّرونا بين أن يخصص لنا قطعة أرض لى ولأولادى أو أن نحصل على شقق فاختار أولادى الأرض لنكون فى بيت واحد، وسعدت جداً بهذا الأمر، ولكن من يومها لم نتسلم الأرض ولم يهتم لأمرنا مسئول، لا أريد سوى الستر من عند الله». وأوضحت أن سكان المنطقة يساعدونها فى شراء بعض الأدوية التى تحتاجها، لكنها تحتاج إلى أدوية أخرى غالية الثمن وليس لديها ما يكفى لشرائها.