حكاية مشروع لم يكتمل بين «الشريعي والتهامي».. وسر قصيدة داوت أوجاعه
مع الشاعرة الراحلة علية الجعار والفنان الراحل محمد السبع
ظل الشيخ ياسين التهامى لسنوات طويلة مكتفياً بما منحه الله من زاد على لسان حال أقطاب الصوفية الكبار، نهل من معينهم الذى لا يغيض أبداً، لكن كان هناك من يبحث عنه، ليس لأنه يتمنى أن ينشد كلماته، ولكن لأن هذه الكلمات كانت رزقاً ساقه الله إليه. ومن الصعب أن نعرف أن قصيدة «يا ملهمى» التى يفضلها «التهامى»، فيميل إلى إنشادها أكثر من غيرها، قريبة من قلبه، يمنحها روحه بالقدر نفسه، ويستسلم لها بالإحساس نفسه، ليست من نظم أحد شعراء الصوفية الكبار، لكنها من كلمات الشاعرة الكبيرة علية الجعار.
يحكى الشيخ ياسين التهامى قصة لقائه مع علية الجعار، قائلاً: «كانت الست علية ترأس إحدى الإدارات المركزية فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ووجدتها ترسل فى طلبى تريد أن تلقانى، وعندما جلست إليها فى مكتبها، وجدتها تقدم لى دواوين شعرها مشفوعة برغبة منها فى أن أنشد لها، بدأت أتصفح الدواوين، ثم حملتها ومضيت». لم يتحدث «التهامى» مع «الجعار» كثيراً، ولا عنها كثيراً، اكتفى بأن قال لى مرة إنها كانت ضحية من ضحايا الحياة.
«الباز»: كان في أشعار علية الجعار شيء من «ياسين»
يقول د. الباز، فى كتابه عن الشيخ التهامى: قد تكون كل قصيدة أنشدها التهامى طوال مسيرته التى اقتربت من الخمسين عاماً معتلياً فيها عرش الإنشاد دون أن ينازعه فيه أحد، مست حالاً واحداً من أحواله، لكن قصيدة «يا ملهمى» فيما يبدو من كلامه وفيما يبدو لنا مست كل أحواله مجتمعة فلم تفارق منها شيئاً، كان فى بعض ما كتبته «علية الجعار» شىء من «ياسين».
وجد «التهامى» فى كلمات «يا ملهمى» الدواء الأكبر لكل دائه، فرفع الراية ودخل المحراب بقدميه، وتغنى بما شعر أنه يلخصه ويغمره ويسيطر عليه، ويجعله يقف وجهاً لوجه أمام الله، الذى هو بالنسبة له «أنا فيكَ أحيا منذُ بدئكَ كانَ».
يقول «الباز»: لم ينشد «التهامى» ما أنشده من كلمات علية الجعار مبتعداً عن حالة ذوبانه الكبرى فى أحوال الله التى لم ينقطع عنها ولم تنقطع عنه، ولكنها جاءت لترجمة العبد الضعيف الذى لا يرجو من إلهه إلا عفواً ومغفرة، ولا يخاطب ياسين التهامى هنا جمهوره الذى يتمايل منتشياً على نغماته، بل هو يتحدث إلى الله مباشرة.
الشريعي قال للتهامي: لا بد أن تفرغ نفسك لي من الآن
فى نهاية الثمانينات اصطحبت «علية الجعار» الشيخ ياسين، وذهبت به إلى الموسيقار الكبير عمار الشريعى، الذى بمجرد أن استمع إليه، قال له: لا بد أن تفرغ نفسك لى من الآن، وقتها كان التهامى مرتبطاً بعدد من الحفلات والليالى فى بعض محافظات الصعيد، قال لـ«عمار»: بعد أن أنتهى من التزاماتى سأفرغ نفسى لك تماماً.
يضيف «الباز» أنه عندما قال له «عمار»: «إذا كنت تريد أن نتعاون، فلا بد أن نبدأ من الآن، فلا معنى للتأجيل»، حسم التهامى معه الأمر، وقال له: «لا يمكن أن أخون نفسى وأتخلى عمن اتفقت معهم».
يومها صرخ فيه عمار الشريعى، وقال له: «يا شيخ ياسين، عندما تذهب إلى حفلاتك فى الصعيد، فكم واحداً سيسمعك؟! أنا سأجعل الملايين تسمع لك، عندما تطلع عليهم من خلال ألحانى عبر شاشات التليفزيون»، لكن «ياسين» لم يغير رأيه، ومضى إلى لياليه وحفلاته، وهو يدرك أن فرصة تعاونه مع عمار الشريعى ضاعت تماماً. حقق «ياسين» ما كان يعده به عمار الشريعى، أصبح الملايين يستمعون إليه، لكننى سألته: «هل ندمت على عدم تعاونك مع عمار الشريعى؟»، فقال: «أعترف لك بأن هذه فرصة ضننت بها على نفسى».