عمرو الخياط يكتب: غلاء عابر للقارات
الكاتب الصحفي عمرو الخياط
9005 كيلو مترات ما يوازي 5595 ميلاً، هي قدر المسافة بين القاهرة وواشنطن، والتي تقطعها الطائرة بين عاصمة البلدين فيما يقرب من 12 ساعة. حينما تهبط الطائرة في مطار دوليس الدولي في واشنطن تعود عقارب الساعة إلى الوراء سبع ساعات كاملة، فتشعر أن الزمن يعود بك إلى الخلف، لتبدأ يومك من جديد بعد أن يكون قد انتهى، حينما صعدت للطائرة من مطار القاهرة الدولي، تلك هي الجغرافيا وخطوطها الطولية والعرضية.
هناك فى العاصمة الأمريكية، مثلما هناك فارق فى التوقيت، فهناك فارق في درجات الحرارة التي تنقص 20 درجة مرة واحدة، ولكن ليس هو الفارق الوحيد.. وإنما هناك فوارق كثيرة يلاحظها من غاب عن زيارة الدولة العظمى ثلاث سنوات وعاد ليزورها من جديد، على رأسها الأسعار التي تضاعفت بصورة كبيرة، لم تكن بسبب ارتفاع سعر الدولار في مصر، وإنما بفعل ما شهدته أمريكا في الفترة الأخيرة بعد وباء كورونا وتداعيات العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.
مثلاً.. أجرة السيارة الأجرة تضاعفت مرتين عما كانت عليه، والجواب يأتيك صادما حينما تسأل عن سبب هذا التضاعف، بأن لتر البنزين ارتفع لتصبح أسعاره وفق نوعه ما بين 4 إلى 6 دولارات للتر الواحد، بمتوسط 180 جنيها للتر بحساب الجنيه المصري!!. زجاجة المياه في الماكينات الموجودة في الشوارع وصلت إلى 3 دولارات للعبوة الواحدة بما يوازي 75 جنيها!!.
الأولى التى تستقبلك واشنطن لابد أن تحبس أنفاسك فأنت مُقدم على دولة الأسعار المعيشية
للوهلة فيها تجاوزت كل الحدود.. ولابد أن تكون هناك قرارات حكومية ساعدت المواطن الأمريك على تحمل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار، وسرعان ما تأتيك الإجابة بالنفي، وأن المرتبات لم تتحرك بالقدر الكافي الذى يتلاءم أو يسد جانبا من هذا الارتفاع، بل أصبحت الأسرة المكونة من أربعة أشخاص مطالبة جميعاً بأن تعمل ليصبح للأسرة دخل يكفيها للمعيشة سواء دفع إيجار السكن أو الطعام أو الملبس أو المواصلات، وإلا لن يقدروا على استكمال الحياة وفق هذا الغلاء الذى اجتاح السوق الأمريكي.
جولة سريعة داخل متجر لبيع المواد الغذائية تعكس لك مدى الزيادة الكبيرة في الأسعار، فمثلاً علبة الزبادي وصل سعرها إلى 5 دولارات، ورغيف الخبز وصل إلى 6 دولارات، وزجاجة الزيت أصبحت بـ15 دولارا، وإذا ذهبت إلى أي مطعم فإن الوجبة الواحدة تكلفك ما بين 40 إلى 60 دولارا، لتصبح الحياة هناك وفق هذه الأسعار مقلقة للأمريكي الذي لا يجد حلاً سوى البحث عن عمل إضافي لعمله الأصلي ليوفر دخلاً جديداً يُعينه على زيادة الأسعار الكبيرة التي حدثت في الآونة الأخيرة.
هناك تسمع في كل دقيقة أصوات سارينة سيارات الإسعاف تجوب الشوارع فتشعر بأن الخدمة الصحية المقدمة للمواطن الأمريكي على مستوى عالٍ، ولكن زميلي المصري الذي يعيش هناك همس في أذني «نعم إنها خدمة مميزة.. ولكن بعد أن تنقل السيارة المريض إلى المستشفى ترسل له إدارة هذه السيارات مطالبة بمبلغ يقترب من ألفي دولار في مقابل تقديم الخدمة!».. فعلا وجههي اندهاش كبير.. حيث كنت أتصور أن هذه الخدمة مجانية، فما بالك بالعلاج الذي حدث عنه ولا حرج.
حدث ولا حرج.. فقد احتاج زميل لنا بعضا من الأدوية فقرر أن يشتريها من هناك تحت فكرة الدواء الأجنبي أكثر فاعلية، وتشبعاً بعقدة الخواجة بالرغم من توافر هذه الأدوية في مصر طلب هذا الزميل قائمة الأدوية من إحدى الصيدليات التي قامت مشكورة بإرسالها حيث مقر إقامتنا، وهنا كانت المفاجأة، حيث كان على الزميل دفع مبلغ سبعة آلاف ونصف دولار فى مقابل هذه الأدوية، بينما هو يشتريها في القاهرة بمبلغ لا يتجاوز ألفا ونصف الألف جنيه، واضطر زميلي للدفع مضطراً بعد وصول الأدوية بالرغم من محاولات منه للاعتذار عن الشراء، إلا أن محاولات التنصل من طلبه باءت بالفشل وأصبح مضطراً للدفع وهو حزين، لأنه انساق وراء عقدة الخواجة.
خلال جولتنا بالسيارة التي كانت بصحبتنا في شوارع واشنطن، أعجبتنى السيارة وهي من النوع الأمريكي فتساءلت عن سعرها، فأجابني السائق بأن أسعار السيارات ارتفعت بصورة كبيرة، وأن هذه السيارة بلغت 40 ألف دولار بعد أن كان سعرها لا يتجاوز 25 ألف دولار، وأضاف: «ولكن من الصعب أن تجدها بالسعر الحالي.. لأن عليك إذا أردت شراء واحدة جديدة أن تدفع فوق السعر المعلن من الشركة المصنعة ما يقرب من 20 ألف دولار زيادة!!، لأن المصانع أصبحت لا تنتج القدر الكافي من السيارات التي يحتاجها السوق، والتجار يتلاعبون في الأسعار ويضيفون أرقاماً كبيرة على أسعار السيارات لمن يرغب في شراء سيارة جديدة».
كانت الانطباعات التي خرجت بها من زيارتي لواشنطن بعد ثمانية أيام قضيتها هناك، رصدت تلك فيها المتغير الحقيقي الذى حدث في الحياة الأمريكية بعد وباء كورونا والعمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.. تلك هى النتائج.. وتلك هي الحياة التي يمر بها العالم الذي لا يعرف ما هو قادم، وماذا سيحدث فى العام الجديد.
مقال الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم» المنشور في العدد الجديد للجريدة.