«مثلث الرعب»: 50 ألف مواطن تحت حصار البلطجية وملاحقة الأمن
وسط رقعة زراعية، تقبع على أطراف محافظة القليوبية، تتكاثر فيها أشجار الموالح والفاكهة، حيث تتوارى البؤرة الإجرامية الأشهر والأخطر داخل القاهرة الكبرى، كما تصنفها التقارير الأمنية لوزارة الداخلية، المعروفة بـ«مثلث الرعب»، الذى يضم قرى المخدرات الثلاث «الجعافرة، كوم السمن، القشيش». الاتجار فى المخدرات بأنواعها وألوانها وأشكالها المختلفة مهنة تتوارثها الأجيال داخل هذه القرى، كما يروى عنها المحيطون بها وجيرانها، حيث يقول خالد سعودى المقيم فى قرية بلقس التى تبعد عنها بـ5 كيلومترات «اللى مش بيتاجر فى المخدرات، بيخزّن فى بيته». بينما أهالى مثلث الرعب يرفضون هذه الصورة الذهنية التى يصفونها بغير الحقيقية، كما يروى حسام أبوالسعود، أحد أهالى قرية كوم السمن، فداخل القرية يوجد تجار المخدرات، بعضهم ورثوا هذه التجارة المجرمة قانوناً عن آبائهم، لكن عددهم لا يتجاوز 2% من أهالى القرية وجميعهم مسجلون خطر وسبق القبض عليهم قبل ذلك ومعروفون بالاسم لدى وزارة الداخلية.
بينما يؤكد اللواء سيد شفيق، مدير الأمن العام بوزارة الداخلية، فى تصريحات سابقة لـ«الوطن» أن هذه المنطقة مصنفة كإحدى البؤر الإجرامية الخطيرة، وقامت الوزارة فى عام 2010 بشن حملة أمنية استمرت على مدار 6 أشهر، تمكنت خلالها من إلقاء القبض على جميع تجار المخدرات بهذه القرى الثلاث، لكنهم استطاعوا الهروب من السجن أثناء عملية اقتحام السجون التى تمت يوم 28 يناير 2011، ولكى تتمكن وزارة الداخلية من إعادة فرض سيطرتها على هذه القرى تحتاج إلى حملة أمنية مكثفة ومستمرة لعدة أشهر، وهو ما بدأت فيه الوزارة بالفعل.
وفقاً للإحصاء الرسمى لتعداد السكان لعام 2013 يبلغ عدد سكان قرى المثلث المشهور بتجارة المخدرات بـ50 ألف نسمة، معظمهم يعملون فى الزراعة والتجارة، لكن طبيعة المكان الحدودية بين محافظة القليوبية وانتشار الزراعات فى الظهير الصحراوى لهذه القرى، خلقا مأوى للخارجين على القانون، كما يروى سيد صالح أحد أهالى قرية الجعافرة، بينما المنطقة السكنية داخل القرية تخلو تماماً من تجارة المخدرات، يستطيع أى شخص التردد على المنطقة ومشاهدة ما يدور داخلها، ولكن المشكلة التى يعانى منها هى نظرة الناس لهم، وهو ما حدث أثناء شراء سيارة جديدة من أحد معارض السيارات بأحد المولات الشهيرة، طلب صاحب معرض السيارات العنوان لإرسال السيارة بمجرد وصولها من الميناء، وبمجرد ذكر المكان، ابتسم له صاحب المعرض قائلاً «طيب يا عم ماتشوف لنا حتة» فى إشارة إلى «مخدر الحشيش»، يقول سيد الذى يعمل فى تجارة الأدوات المنزلية، إنه صُدم من طلب الرجل، فلا هيئته ولا المكان الذى يشترى منه السيارة يدل على أن له علاقة بالمخدرات.
وصمة المكان دفعت عمار إلى تغيير محل إقامته بالبطاقة، لكى يتمكن من الالتحاق بوظيفته الحالية بأحد المصانع الخاصة بمدينة العبور، بناء على النصيحة التى أهداها له أحد العاملين بالمصنع، يقول «إحنا ملناش ذنب إننا اتولدنا فى المكان ده وفيه أرضنا وبيوتنا»، مستنكراً محاسبة الناس لهم بسبب اسم بلدتهم وليس بما يفعلون أو يعملون.
نفس المعاناة تتكرر أثناء توقيف أحد الكمائن الأمنية لأى شخص من أهالى القرى الثلاث، كما حدث مع سمير نصار، الذى يؤكد «إحنا دايماً محل شبهة لدى قوات الأمن ولا يحمينى غير كارنيه الجامعة، اللى بيثبت إنى طالب»، لتقتصر الإجراءات على التفتيش الذاتى ثم السماح له بالانصراف، رغم تأكيده أن قريته تتحول مع سواد الليل إلى وكر لتعاطى المخدرات وقبلة للمدمنين، مطالباً قوات الشرطة بأن تهاجم هذه الأوكار وتقضى عليها، بدلاً من أن تنظر إلى الأهالى كمتهمين.