المادة 4 فى باب الدولة والمجتمع، وهى مادة الأزهر الشريف، ضلت مكانها.
فبعد ثلاث مواد أولى تنص على كون مصر دولة مستقلة ذات سيادة وجزءاً من الأمتين العربية والإسلامية، وعلى أن مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، وأن مبادئ شرائع المسيحيين واليهود هى المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية، تأتى مادة خاصة بالأزهر كهيئة إسلامية مستقلة قبل أن يقرر الدستور أن السيادة للشعب وينص على النظام الديمقراطى ويحدد بقية مقومات الدولة والمجتمع. ضلت مادة الأزهر مكانها، وينبغى أن تدرج مع المواد الدستورية الأخرى التى تتناول الهيئات المستقلة مثل الهيئة العليا لشئون الوقف والهيئات المستقلة للإعلام والصحافة (المادة 214 إلى 217).
تشير المادة 4 إلى الأزهر الشريف كهيئة إسلامية مستقلة مجال عملها الأمة الإسلامية والعالم كله وتتولى نشر علوم الدين والدعوة وتكفل الدولة اعتماداتها المالية وشيخ الأزهر (سيحدد قانون الأزهر الجديد طريقة اختياره) غير قابل للعزل. كل هذا رائع ويخرج الأزهر، شريطة أن يمنع قانونه الجديد تدخل السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية فى اختيار شيخه، من عقود سيطرة الدولة عليه.
ثم تأتى جملة أخيرة فى مادة الأزهر أراها تحتاج لتدقيق. والجملة هى كما يلى: «ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية». والسؤال هنا، أولاً، هو عن الجهة التى ستأخذ رأى هيئة كبار علماء الأزهر، هل هى السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية أم كل السلطات العامة الثلاث أم كل مؤسسات المجتمع؟ والسؤال هنا، ثانياً، هو عن طبيعة أخذ الرأى وإن كان المقصود به الاستشارة والاستنارة أم شىء آخر؟
يعلم الرأى العام فى مصر أن البعض داخل الجمعية التأسيسية حاول إعطاء الأزهر مرجعية نهائية فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية والتشريع، وهو ما كان سيعصف بقواعد الدولة الحديثة ويجعل من الأزهر (وهو هيئة دينية غير منتخبة) هيئة لتشخيص مصلحة النظام على النمط الإيرانى. جيد أن تبتعد مسودة الدستور عن هذا الأمر، إلا أن ضبط سياق ومضامين أخذ رأى الأزهر يظل ضرورياً.
وأحسب أن الجهتين اللتين يمكن لهما أخذ رأى الأزهر بصورة استشارية (أى مقدرة، ولكن غير ملزمة) هما السلطة التشريعية والسلطة القضائية. فالمشرع قد يحتاج لاستشارة الأزهر فى ما خص تشريعات تتعلق بمبادئ الشريعة الإسلامية (على سبيل المثال تقنين العلاج بالخلايا الجذعية أو نقل الأعضاء)، والقاضى أيضاً قد يرغب فى الاستنارة بتفسيرات فقهية محددة لأمور بعينها. وعليه، وبجانب تغيير توطين مادة الأزهر من الباب الأول إلى الباب الرابع (الأجهزة الرقابية والمستقلة)، أقترح إعادة صياغة الجملة الأخيرة فى المادة على النحو التالى: وتستشير السلطة التشريعية والسلطة القضائية هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بمبادئ الشريعة الإسلامية.
نتابع بالغد إن شاء الله.