«دجل» على الهواء مباشرة.. والإعلام يشارك «المشعوذين» فى النصب
دفعنا 100 جنيه مقابل حجز «الكشف».. و20 لتحديد دور عاجل.. وبعد الجلسة الأولى أمر «الشيخ» بـ«4 لتر ماء مخلوط بالزعفران» مقابل 35 جنيهاً
إحدى زبائن «الشيخ» أكدت ثقتها فيه ومعرفته من خلال ظهوره فى «برامج التوك شو».. وعندما شكت له تأخرها فى الزواج شخّص الحالة بأنها «مسّ فى الرحم»
مركز «العلاج بالقرآن» مزدحم بالزبائن من البسطاء «سيدات ورجال».. و«أم حبيبة» ترد على مواعيد الدخول: «اللى مش عاجبه يروّح مش عاوزين وجع دماغ»
«الشيخ» يصف «علاء حسانين» بـ«النصاب» ويؤكد أنه استخدم «الصوديوم ميتال» فى حلقة فتيات «صبايا الخير» لخداع المشاهدين
فى الوقت الذى يُفترض أن يؤدى الإعلام فيه رسالة سامية لتوعية المواطنين وتقديم خدمة إعلامية راقية لهم، عرف الإعلام مؤخراً طريقاً سريعاً لجذب المشاهدين إلى شاشته، وعمدت بعض الفضائيات إلى تثبيت مساحات من «البث على الهواء» والفقرات المسجلة لذلك النوع من العبث الذى يتمثل فى الحديث عن «الجدل والشعوذة»، تحت مسميات متعددة، بغرض المتاجرة بآلام ومصائب البسطاء، تحت مسمى «مُعالجين روحانيين» لتحقيق أعلى نسبة مشاهدة والتربح من خلال المكالمات الهاتفية التى تصل إلى ذلك النوع من البرامج، إضافة إلى «تلميع» وشهرة الضيوف ممن يدعى معظمهم «العلم والقدرة على علاج المرضى بطرق روحانية» متسترين بالدين والعلم الروحانى، فى طريقة جديدة للمتاجرة بالدين وآلام المواطنين.
«الوطن» رصدت الظاهرة وتبعاتها، والدوافع التى تدفع البسطاء للإقبال على ذلك النوع من العلاج بالوهم، بعد معرفة «النصابين والدجالين» الحالة الاجتماعية للزبائن، وتشخيصها على أنها تعانى «مس من سحر أو حسد»، بينما حقيقة الأمر قد تكون خلاف ذلك تماماً.
مذيعة شهيرة فى قناة فضائية معروفة، كان لها الفضل فى ظهور «دجال» يطلق على نفسه صفة «عالم روحانى» يتستر برداء الدين، وروجت له كـ«أحد العارفين بأسرار القرآن الكريم» وادعت مقدرته على تسخير الجان الذين يأتمرون بأمره ويزعم تسخيرهم لحل المشكلات الزوجية والبطالة والعنوسة وفك السحر. وبعد فترة من ذيوع صيت ذلك «الدجال» عرف طريقه إلى قناة فضائية أخرى تحظى بنسبة مشاهدة كبيرة، مع أحد المذيعين المشهورين بتقديم برامج تدعو إلى مساعدة الفقراء وجمع التبرعات لهم حتى أصبحت له شعبية جارفة كـ«رجل خير» فإذا به يضحّى بكل ذلك ويقدم فى حلقات متتالية أسبوعية ذات «الدجال» ويبدى إعجابه بمقدرته الخارقة على حل المشاكل المستعصية حتى وصل بهما الأمر إلى الإعلان عن رقم هاتف ذلك «الدجال» على الشاشة للاتصال به من داخل وخارج مصر، غير عابئين بما يترتب على ذلك من التلاعب بأفكار البسطاء الذين سقطوا مخدوعين فى براثن ذلك «الدجال» اعتماداً على ما تتمتع به تلك البرامج ومقدموها من مصداقية لدى المشاهدين.[FirstQuote]
«الوطن» خاضت المغامرة مع ذلك الدجال لإثبات كذبه، وكشفه أمام الرأى العام وغرضه من الظهور بوسائل الإعلام، وتأكد لنا أن ظهوره للدعاية وتحقيق مكاسب مادية على حساب البسطاء والمتاجرة بآلامهم ومصائبهم. وكانت التجربة العملية فى التعامل مع واحد من الزاعمين «العلاج بالقرآن»، «الشيخ عمرو الليثى».
بدأت المغامرة بالبحث فى موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» عن صفحته الشخصية، للعثور على ما يدل عليه وعلى سبل التواصل معه، وعلى الصفحة كانت توجد صورة شخصية واسمه مقترناً بلقب «الشيخ» وكأن هذا اللقب هو أداة من أدوات جذب الزبائن بالطبع باستخدام ذلك اللقب الدينى الشائع، كما وجدت على صفحته الشخصية أنه ذكر وظيفته «معالج بالقرآن» ثم دوّن رقم هاتفه وعنوانه وذكر أنه «مركز» لاستقبال الحالات وتلقى العلاج بالقرآن، وجرى الاتصال بالمركز للحجز وردت سيدة تدعى «أم حبيبة»، وعندما طلبنا حجز موعد لمقابلة «الشيخ» أخبرتنا أن الحجز يلزمه دفع مبلغ 100 جنيه، ومواعيد الشيخ بالمركز أيام الأحد والثلاثاء والخميس، والمقابلة خلال أسبوع بسبب كثرة ارتباط «الشيخ» بحجوزات أخرى وإلا سأنتظر لساعات طويلة للكشف دون حجز مسبق، فوافقنا وتوجهنا فى اليوم التالى ودفعنا 100 جنيه للحجز وانتظرنا.[SecondImage]
للوهلة الأولى يلحظ كل من يدخل «المركز» العدد الكبير للزبائن المترددين عليه، والزحام من السيدات والرجال، تحدثنا مع «أم حبيبة» السيدة المنتقبة التى كانت يظهر عليها بوضوح المعاملة السيئة مع الزبائن رافضة سؤال الحالات عن موعد الدخول وتقول دون خجل «اللى مش عاجبه يروّح مش عاوزين وجع دماغ»، أعطيناها 20 جنيهاً وطلبنا المساعدة فى تحديد موعد عاجل للقاء «الشيخ» فحددت رقم «74» وانتظرنا 4 ساعات، وكان هناك آخرون سيلتقون «الشيخ» قبلى وبعدى، وعندما حان دورى طلب أن يدخل 20 سيدة معاً بزعم عمل «رُقية جماعية» وعندما دخلت وقبل أن يسأل عما تعانى منه كل منا تحدث عن نفسه، وطلب أن نقتنع بأنه «ليس هناك جن يخرج من جسد سيدة ويدخل جسد سيدة أخرى، وليس هناك علاج جماعى لكن توجد رُقية جماعية» حتى ينكشف أمامه ما تعانى منه كل منا ثم يبدأ علاج كل سيدة على حدة فى جلسات منفردة، ووجهت له إحدى الحالات سؤالاً عن سبب الحرب بينه وبين «ريهام سعيد» حيث إن ظهوره الأول فى وسائل الإعلام كان مع «ريهام»، فأجاب بأنها اكتشفت أننى أتقاضى أجراً، وبرر بأنه لم يتقاضَ أجراً من القنوات، لكنه يتقاضى أجراً فى المركز «100» عن الحالة، وبدأ يسرد بسخرية العلاقة المتوترة بينه وبين «ريهام» خاصة بعد حلقتها الشهيرة مع «علاء حسانين» عضو مجلس الشعب السابق فى حلقة «الخمس بنات» وأكد للجميع أن «علاء» دجال ونصاب وممنوع من دخول قرية دير مواس بالمنيا، وخدع المشاهدين بالصوديوم ميتال - وهو عبارة عن مادة تشتعل مع المياه، واستخدمها أكثر من مرة فى أكثر من بيت، واستخدم نفس المادة فى برنامج الإعلامى عمرو الليثى، وأضاف: «المذيع عمرو الليثى فى برنامجه - بوضوح - استضافنى بعد ذلك لمعرفة طبيعة هذه المادة فى حلقة تحت مسمى: الشيخ عمرو الليثى يرد على ريهام سعيد» وتابع أن «الإعلامى عمرو الليثى قال له إنه لأول مرة يقتنع بالمنهج»، واستكمل وصفه لحلقة علاء حسانين مع ريهام سعيد، موضحاً للجميع فى نقاط قائلاً: أولاً: فتيات الشرقية يعانين من حالة هيستيرية وليس هناك حالات تعانى على مدار 4 شهور من مس جن وتتزين كل هذه الزينة وتضع مكياجاً كاملاً، ثانياً: علاء حسانين مبيعرفش يقرأ قرآن أصلاً، وسيرته الذاتية بتقول إنه نصاب، ثالثاً: لماذا وضع الشاش على فم الفتاة فكان من الممكن أن يسكب عليها المياه دون شاش، لكنه وضع داخل الشاش مادة الصوديوم ميتال للاشتعال، رابعاً: الجن لم يُحرق وإذا كان الجن بيتحرق لا نراه. وأضاف: «مفيش مرة يظهر علاء حسانين فى حلقة إلا ويستخدم الصوديوم ميتال، ويدّعى أنه معه «خُدام سورة ياسين، والقرآن مفيهوش خُدام لكن فيه ملائكة»، وأضاف أنه معالج منذ 20 عاماً، وليس هناك جن يحضر ويروح، وأن إحدى الفتيات عندما رأت ريهام سعيد قالت: «والله بحبك» وابتسم قائلاً الحلقة مفبركة وريهام انهارت إعلامياً، وأضاف أنه لم يتصور أن «علاء حسانين يضحك على المشاهدين بالصوديوم ميتال والمياه ويصدقها الناس، وبعد ذلك تخرج علينا ريهام ببرنامجها لتلومنى على أجرى من الكشف وريهام سعيد مقتنعة به.. ليه مش عارف».[SecondQuote]
بعد الحديث عن حلقة برنامج «ريهام سعيد» عن الجن، عاد «الشيخ» لـ«الرقية الشرعية الجماعية» التى استمرت نحو 10 دقائق، وبدأها بـ«الصلاة والسلام على رسول الله، وحسبنا الله ونعم الوكيل»، وبدأ تلاوة بعض آيات القرآن الكريم، ذكر فيها الحسد والجن والسحر. وبعد انتهاء «الرقية» أمرنا بفتح أعيننا، ثم غادر الغرفة التى كنا بها واتجه إلى مكتبه، ثم دعا كلاً منا على حدة، وكان ترتيبنا قبل الأخير، وقبل الدخول إليه، تحدثنا لإحدى الحالات المنتظرة عن ثقتها فى الشيخ عمرو الليثى، وأكدت أنها الزيارة الرابعة لها على مدار شهر وأنها لجأت له بعد مشاهدته مع المذيعة ريهام سعيد، والمذيع عمرو الليثى، وأكدت قائلة أن الحالات التى يعالجها الشيخ عرفته من التليفزيون وسبب مجيئها تأخرها فى الزواج، والشيخ أكد لها أن لديها «مسّ فى الرحم من سحر بوقف الحال».
وعندما حان الدور للقائنا بعد نحو ساعتين، دخلنا مكتبه للكشف، فبدأ بـ«السؤال عن الشعور أثناء الرقية»، فزعمنا له كذباً الشعور بصداع مزمن وتنميل فى الأطراف وضيق فى التنفس، ثم سأل عن المشكلة، فكان الرد «أنا متزوجة - على الرغم من أننى أرملة منذ سنوات - ويوجد نفور بينى وبين زوجى، وكل منا لا يطيق الآخر رغم أن زواجنا كان على أثر حب شديد، ولكننى لا أطيق معاشرته، وهو يبادلنى ذات الشعور» وأكدت له حبى الشديد لزوجى، فاستوقفنى فى حديثى وأخبرنى قائلاً عندك «مس» ولن يستطيع الآن معرفة نوع المس، وهل هو ناتج عن سحر أم لا، لكن ذلك سيجرى تحديده الجلسة المقبلة، وبعد المواظبة على العلاج، وهو عبارة عن 4 لتر ماء يجب خلطه بـ«100 جرام» من الزعفران على أن يقرأ عليه «سورة البقرة» كاملة، ثم الاستحمام بها خارج الحمام، و«أم حبيبة» تتولى شرح الطريقة للزبائن، ثم حدد موعداً للاستشارة بعد أسبوع، وبعد الخروج من غرفة الكشف، كانت «أم حبيبة» جاهزة بالماء المخلوط بالزعفران وطلبت ثمنه 35 جنيهاً، ووصفت طريقة الاستعمال.
فى «الزيارة الثانية» فى الموعد المحدد بعد أسبوع طلبت «أم حبيبة» 30 جنيهاً مقابل الاستشارة، وكان المركز مزدحماً كالعادة وانتظرنا قرابة 5 ساعات حتى حان الدور، دخلنا إليه ودخل معى نحو 20 سيدة أخرى وقمنا بعمل «الرقية الجماعية» وتكرر ما فعله فى الزيارة الأولى من طقوس، وبعد الرقية دخل مكتبه واستدعى كلاً منا على حدة وحان الدور بعد 3 ساعات تقريباً وسأل عما إذا كنت قد نفذت التعليمات واستحممت بماء الزعفران فكانت الإجابة «نعم»، فسأل عما إذا كنت قد تقيأت أو أسهلت، فأجبته «لا» وزعمت له كذباً أننى شعرت بـ«تنميل فى أطرافى وضيق فى التنفس وصداع نصفى مزمن»، فأجاب بأننى «ممسوسة بمس ناتج عن سحر، وطلب منى عقب كل أذان شرب كوب ماء مقروء عليه قرآن، وقراءة سورة البقرة عقب كل أذان، ثم أعود لزيارته بعد أسبوعين لأننى أعانى من مس ناتج عن سحر ولم ألتزم بالعلاج الذى أمر به» فشكرته ووعدته بالالتزام وانصرفت.[ThirdQuote]
انصرفت بعد أن تأكدت من عدم قدرته على كشف «كذبة صغيرة» بأننى «غير متزوجة» وأن ما زعمته له من «وجود نفور مع زوجى هو من وحى الخيال»، وأشفقت على ضحاياه من البسطاء الذين زاد عددهم بمساعدة «الإعلام»، الذى يروج لهذا النوع من الوهم.
بعد أن عدنا فى الموعد المحدد، للزيارة الثالثة والأخيرة، وبعد دفع 30 جنيهاً مقابل الاستشارة لشخص حل محل «أم حبيبة»، فى المركز، قابلنا «الشيخ للمرة الأخيرة، وزعمت أننى نفذت أوامره، وقلت إنه رغم العلاج احتدم الخلاف بينى وبين زوجى وأننا فى سبيلنا للانفصال، فأخبرنى بأننى أعانى من «مس ناتج عن حسد» فواجهته بأنه فى المرة السابقة قال إننى «ممسوسة من مس ناتج عن سحر» فقال إنه لا يتذكر ما أخبرنى به من كثرة الحالات المعروضة عليه، وطلب منى لقاء زوجى فى منزلنا للتحدث إليه لمعرفة سبب الخلاف ومحاولة إصلاح ما بيننا، وإخباره بأننى ممسوسة وللكشف على زوجى لاحتمال أن يكون ممسوساً هو الآخر وأن هذه الزيارة المنزلية ستكلفنى 500 جنيه فوافقته على ذلك وأعطيته عنواناً وهمياً، وحدد لى موعداً بعد أسبوع لسفره إلى دولة الكويت لمعالجة بعض الحالات هناك وأكد أن علىّ الاتصال به السبت 17 يناير للحضور إلى منزل الزوجية فشكرته وانصرفت.
عند شراء مياه بالزعفران بالقرآن من أم حبيبة - تصوير: هاجر محمد
الحاﻻت المنتظرة للكشف - تصوير: إبراهيم عبدالمنعم