القائمة الباطلة والمرفوضة: بغرض التفاخر ومن أجل الرشاقة والسعي لإشباع ملذات الجسد
الأقباط يبدأون الصوم الكبير
«الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية. فقد كانت الوصية التى أعطاها الله لأبينا آدم، هى أن يمتنع عن الأكل من صنف معين بالذات، من شجرة معينة، بينما يمكن أن يأكل من باقى الأصناف. وبهذا وضع الله حدوداً للجسد لا يتعداها. فهو ليس مطلق الحرية، يأخذ من كل ما يراه، ومن كل ما يهواه.. بل هناك ما يجب أن يمتنع عنه، أى أن يضبط إرادته من جهته. وهكذا كان على الإنسان منذ البدء أن يضبط جسده. وبالامتناع عن الأكل، يرتفع الإنسان فوق مستوى الجسد، ويرتفع أيضاً فوق مستوى المادة. وهذه هى حكمة الصوم»، هكذا تحدث البابا الراحل شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عن روحانية الصوم.
وبحسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فإن هناك أصواماً مقبولة وأخرى مرفوضة، والأخيرة هى تلك الأصوام الباطلة والتى تكون ظاهرية فقط بغرض كسب مديح الناس والتفاخر والتى لا ينتفع بها الإنسان روحياً، فتكون مرفوضة من الله.
القس دوماديوس حبيب: الصوم مرتبط بالصلاة والصدقة.. ومن صام طول حياته دون محبة صومه باطل
يقول القس دوماديوس حبيب الراهب، الكاهن العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة، إنه ليس كل صوم مقبولاً عند الله، لأن هناك أفعالاً تبطل الصوم وتجعله مرفوضاً من الله، فإذا صام الإنسان منقطعاً عن الطعام طول حياته دون محبة لا ينتفع بشىء ويكون صومه باطلاً لأن الهدف الأول من الصوم هو الشعور بالفقراء والمحتاجين، خاصة فى ظل الظروف التى يمر بها العالم فى الوقت الحالى، متابعاً أن بولس الرسول يقول: «وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِى، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِى حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِى مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً». (1 كو 13: 3)، فالله لا يريد من الصوم أن يعذب الإنسان بل ليشعر بالآخرين.
وأضاف القس دوماديوس، لـ«الوطن»، أن من الأصوام المرفوضة هو الصوم بغرض التفاخر وكسب مديح الناس ويصومه الإنسان ظاهرياً لا يكون لله نصيب فيه وإنما ليراه الناس فقط، وهذا الصوم يكون باطلاً، كذلك الإنسان الذى يكره إخوانه ويقول كلاماً سلبياً عليهم وهو صائم بالتأكيد لا يقبل الله صومه، والصوم الذى ليس من أجل الله صوم باطل كصوم من أجل الرشاقة وليس من أجل الله، لا ينتفع به روحياً، وصوم الإنسان السالك طريق الخطية لا يقبله الله، فالله يقول فى سفر إشعياء النبى: «أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارهُ؟ يَوْماً يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِى كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحاً وَرَمَاداً. هَلْ تُسَمِّى هذَا صَوْماً وَيَوْماً مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟» (إش 58: 5).
وتابع الكاهن أن الصوم الذى يريده الله هو الصوم الذى يحل فيه قيد الشر، لأن الشر يقيد الإنسان ويعمى عينيه، لذلك يهدف إلى امتناع الإنسان عن الأكل الذى يراه ليحل قيد الشر ويقلع عن الشر والخطية التى يفعلها دون أن يراها دون وعى، فالصوم هدفه أن يغير الإنسان حياته وأن يتوقف عن الخطية، فإن كان الإنسان صائماً وممتنعاً عن أكل اللحوم والألبان ويعيش فى الخطية، فصومه بلا فائدة وباطل، مضيفاً أن الله يريد من الإنسان خلال صومه أن يشعر بالمساكين وليس الانقطاع عن الأكل فقط.
وأشار «حبيب» إلى أن من أكثر الأفعال المفسدة للصوم هى اللهو والسعى لإشباع ملذات الجسد خلال فترة الصوم، لأن الصوم وقت مقدس ولا يجوز أن يقضى الإنسان الوقت المقدس فى اللهو وغيره «يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ فِى يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ». (إش 58: 3)، موضحاً أن الصوم المسيحى يكمن هدفه فى شعور الإنسان بالآخرين والابتعاد عن كل خطية.
وأوضح الكاهن الأرثوذكسى أنه يجب على الإنسان خلال فترة الصوم أن يبدأ فى التوبة والتغير والإقلاع عن كل خطية والمواظبة على الصلاة، فالصوم وحده والامتناع عن بعض المأكولات لا ينفع وحده روحياً، ولا بد من تخصيص وقت كبير للخلوة والصلاة، فمن أعداء الصوم الابتعاد عن الصلاة، متابعاً أن الصوم مرتبط بالصلاة والصدقة، فطول الصوم نردد: «طوبى للرحماء على المساكين»، لأن الهدف من الصوم هو الشعور بهم ومساعدتهم.