«أم المصريين» فى 13 خطاباً: «ما بحبش السياسة»
الصدفة وحدها قادت الدكتورة «مديحة دوس»، أستاذ اللغويات بآداب القاهرة، لدراسة شيقة عن «صفية زغلول»، مبنية على 13 خطاباً كتبتها «صفية» بالفرنسية إلى شخصية تدعى «بلطا»، الصورة التى رسمتها «دوس» لـ«صفية» وزوجها الزعيم «سعد زغلول» من خلال الخطابات شيقة جداً، تبرز صورة إنسانية عادية لـ«أم المصريين» التى تعانى قلقاً مفرطاً على صحتها وصحة زوجها، وتخاف من الإضرابات والمظاهرات -وربما غير مدركة لأهميتها- وكتومة تتجنب ذكر مشاكل «سعد» خصوصاً مع القمار.
فى مكتبة مدرسة الجيزويت، وجدت «دوس» هذه الخطابات الموجهة إلى «بلطا»، التى لم يذكرها التاريخ بشىء، ربما تكون وصيفة أو مدرسة بيانو أو لغة فرنسية أو مربية، فهى حسب «دوس» غالباً غير مصرية ولا تستطيع قراءة العربية، لذا تواصلت معها «صفية» باللغة الفرنسية. وقالت الباحثة: «سعد كتب فى مذكراته أنها لم تكن تحسن العربية حين تزوجها وأنه استعان بمدرس لمساعدتها».
13 خطاباً كانت كفيلة بمعرفة جوانب خفية لم يذكرها التاريخ فى شخصية «أم المصريين». هى ست بيت عادية لا تتمتع بأفق واسع ولديها قلق مفرط على صحتها وصحة الزعيم. كانت تعانى مما يسمى «عدم الثقة اللغوية». تكتب الفرنسية بلغة سليمة وخط جميل، لكن لديها إحساس دائم بأنها لا تتقنها جيداً: «صححى لى». «اعذرى أخطائى». «أنا صايمة». وهكذا.
فى الخطابات تحدثت «صفية» عن رحلاتها السنوية إلى أوروبا واهتماماتها كسيدة مصرية بدروس البيانو وبعض الوصفات مثل الترمس. لكنها لم تتطرق إلى السياسة أو كتاب قرأته. هناك أيضاً إشارات دالة لاحظتها «دوس» فى الخطابات. مثلاً تعجبت «أم المصريين» فى إحدى زياراتها لباريس من إضراب عمال النقل، بشكل يوحى بأنها لم تكن مدركة لأهمية الإضرابات العمالية أو متعاطفة مع العمال: «هذا يعنى أنها لم تكن ثورية أبداً» حسبما قالت الباحثة.
حياتها مع الزعيم احتلت جانباً من هذه الخطابات وأظهرت أنها كانت تعيش حياة مرتبة، هادئة، تكاد تخلو من أى إشارة لمشاكل، باستثناء مرة واحدة عبرت فيها لـ«مدام بلطا» عن سعادتها بانتقالهما إلى بيتهما فى الدلتا «بعيداً عن المشاكل»، فى إشارة على ما يبدو إلى مشكلة «سعد» مع القمار: «المذكرات التى سجلها سعد وحققها د. عبدالعظيم رمضان ذكرت مشاكل سعد مع القمار ومشاكله الأسرية وحزنه بسبب عدم قدرته على شراء هدايا لصفية لأنه خسر كل مدخراته فى القمار. عموماً القمار وقتها كان نشاطاً معتاداً لأبناء الطبقة البرجوازية».