الإمام «الشافعي» اشتهر برجاحة عقله منذ صباه.. وطلب العلم في مكة والمدينة ونجا من اتهامات ظالمة بالعراق
رحلة الطفولة والشباب
لم تكن رحلة الإمام الشافعى سهلة، بل كانت مليئة بالمحطات الصعبة التى واجهها منذ سن مبكرة، فالإمام الشافعى الذى عُرف برجاحة عقله والذكاء منذ أن كان صغيراً وشهد له بذلك شيوخ أهل مكة، عاش عيشة اليتامى الفقراء رغم النسب الرفيع، إلى أن اشتد عوده وهو حافظ للقرآن الكريم وكان ما ساعده على سرعة حفظه هو ذكاءه الشديد.
وخلال فترة الصغر، تفصّح فى اللغة العربية بجانب استحفاظه لأحاديث النبى، صلى الله عليه وسلم وحفظ القرآن الكريم، وطلب «الشافعى» العلم بمكة على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين، وبلغ شأناً عظيماً، حتى لقد أذن له بالفتيا مسلم بن خالد الزنجى، وقال له: «آن لك أن تفتى».
الإمام مالك نقطة تحوّل في حياته
اتجهت حياة «الشافعى» نحو الفقه، بعدما ذهب إلى الإمام مالك، رضى الله عنه، حاملاً معه كتاب توصية من والى مكة، لما رآه «مالك» بفراسته قال له: «اتق الله، واجتنب المعاصى، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية»، واستمر لفترة يتلقى العلم حتى وفاة «مالك».
واستمرت محطات الإمام الشافعى، حيث ارتحل إلى المدينة المنورة وهو فى العشرين من عمره، وقد كان فى ذلك الحين مُفتياً مُؤهلاً للإمامة، وكان قد حفظ موطأ الإمام مالك، وضبط قواعد السنة، وفهم مقاصدها وعلم الناسخ والمنسوخ منها، وقد ضبط قواعد القياس والموازين، وتلقّى العلم على يد شيوخ كثر متفرقين فى بلاد مختلفة، وقد أخذ عنهم فى أثناء ترحاله.
وبدأت تظهر شخصية الشافعى بفقه جديد، لا هو فقه أهل المدينة وحدهم، ولا فقه أهل العراق وحدهم، بل هو مزيج منهما وخلاصة عقل أنضجه علم الكتاب والسنة، وعلم العربية وأخبار الناس والقياس والرأى.
ألقى القبض على «الشافعي» وخضع للمحاكمة في بغداد ثم خرج من المحنة ليبدأ نشر العلم الشرعي
وفى عام 803 م، ألقى القبض على الإمام الشافعى وأرسل بالسلاسل إلى بغداد، مقر الخلافة العباسية، بتهمٍ ملفقة، على أنه يقوم بدعم المتمردين الشيعة فى اليمن، وعندما التقى مع الخليفة فى ذلك الوقت، هارون الرشيد، أعجب برجاحة رأيه وفكره، ولم يفرج عن الإمام الشافعى فقط، بينما أصر هارون الرشيد على بقاء الإمام الشافعى فى بغداد للمساعدة فى نشر العلم الشرعى فى المنطقة، واتفق «الشافعى» وقرر بذكاء إلى البقاء بعيداً عن السياسة فى الفترة المتبقية من حياته.
وأثناء وجوده فى العراق، قال إنه انتهز الفرصة لمعرفة المزيد عن المذهب الحنفى، مع أستاذه القديم، محمد بن الحسن الشيبانى، فى إطار التيقن بالتفاصيل المعقدة من المذاهب، على الرغم من أنه لم يلتقِ قط بالإمام أبوحنيفة، وقال إنه يكن احتراماً كبيراً لمنشئ المدرسة التى تهتم بدراسة الفقه.
9 سنوات، قضاها الإمام الشافعى فى مكة، بحسب الرواة، جادل وناظر خلالها، ورأى تشعّب الآراء واختلاف الأنظار وتباين المشارب، وجد أنه لا بد من وضع مقاييس، ثم انتقل بعد ذلك إلى بغداد للمرة الثانية فى سنة 195 هجرياً، وقد قدم طريقة فى الفقه لم يسبق إليها أحد، وخلال تلك الفترة ألف كتاب «الرسالة»
وقد صنّف الشافعى الكثير من التصانيف، ودوّن الكثير من العلم، وكتب مصنفات فى أصول الفقه وفروعه، وقد ذاع صيته فى ذلك الوقت وكثر عدد الطلبة عنده، فكلهم أرادوا أن يتعلموا من بحر العلم الذى كان عنده، ومن تلاميذه: «أبوبكر الحميدى، وأبوإسحاق إبراهيم بن محمد العباسى، وأبوبكر محمد بن إدريس، وأبوالوليد موسى بن أبى الجارود، والحسن الصباح الزعفرانى».
«ابن حنبل» درس على يده وسافر إلى سوريا وشبه الجزيرة لمقابلة طلابه
استمر الإمام الشافعى فى الترحال وطلب العلم، وطوال حياته وهو فى العمر الذى يتراوح بين 30 و40 سنة، سافر الإمام الشافعى فى جميع أنحاء سوريا وشبه الجزيرة العربية، حيث قام بإعطاء المحاضرات مع تجميع مجموعة كبيرة من الطلاب الذين درسوا على يده، وكان من بينهم الإمام أحمد، المنشئ للمدرسة الرابعة للفقه والمذهب الحنبلى، وفى نهاية المطاف، قال إنه ذهب إلى بغداد، ولكن وجد أن الخليفة الجديد، المأمون، قد عقد بعض المعتقدات غير التقليدية عن الإسلام، وكان معروفاً باضطهاد هؤلاء الذين اختلفوا معه، ونتيجة لذلك، فى عام 814م، كان الانتقال النهائى للإمام الشافعى، ولكن فى هذه المرة إلى مصر، حيث استطاع أن يصقل الآراء القانونية له، ودراسة أصول الفقه.