أسرة «محمود» من الأسمرات: وداعا للعشوائيات.. يا أهلا بـ«السكن الكريم»
«محمود» وأسرته انتقلوا من منشية ناصر للعيش بحي الأسمرات
«بعد ما شاب وَدُّوه الكُتاب، أيوه عادى هيحصل إيه، واللى يقول لك عمر وفات، بالعلم هنرد عليه»، هكذا يقف محمود قاسم حسونة، المعلم بالهيئة العامة لتعليم الكبار فرع القاهرة، بين طلابه الكبار من مختلف الأعمار، الراغبين فى محو أميتهم، ليساعدهم على تخطى هذه المرحلة، ويبدأوا صفحة جديدة بالعلم والأمل، بهذه الأغنية التى ألّفها ليقدم رسالة عن دور التعليم وأهميته، وأنه غير مرتبط بوقت محدد.
منذ أن انتقل «محمود» مع أسرته من منشأة ناصر، إلى حى الأسمرات، وهو يكرس وقته لمساعدة الأهالى الأميين، وتعليمهم ورفع وعيهم، وكان الأجمل فى قصته أن زوجته معه فى هذه المهمة، وتشاركه العمل وتعليم الأميين، إذ يذهبان معاً للعمل، ويعودان للمنزل لقضاء الوقت مع الأسرة، خاصة فى الأجواء الرمضانية المبهجة، لذلك كانت «الوطن» معه فى منزلهم؛ لقضاء يوم رمضانى مع الأسرة.
الزوج يعمل في هيئة تعليم الكبار ويساعد جيرانه على محو الأمية: عندنا كل الخدمات الأساسية والناس بتحب التعليم
هناك فرق كبير بين مكان «محمود» القديم فى منشأة ناصر، ومكانه الحالى فى الأسمرات، بحسب ما قال فى حديثه مع «الوطن»، وذلك من حيث البنية التحتية المتكاملة، وكل الخدمات المتاحة، سواء دور العبادة أو الأندية للشباب، أو المراكز الطبية العديدة.
شهر رمضان له عاداته وتقاليده وفرحته وزهوته، ولكن فى حى الأسمرات تزداد كثيراً هذه البهجة والفرحة، سواء بأداء الفروض الأساسية كالصلاة، وتعليق زينة رمضان: «بنجمع كل عمارتين سوا مبلغ معين ونشد الزينة قدام شققنا».
يبدأ «محمود» عمله فى الليل، خاصة فى شهر رمضان، إذ يقتصر عمله على الصنايعية والعمال والعاملين فى الأسواق، لذلك مجال محو الأمية ليلى، خاصة فى ظل الأجواء الرمضانية، التى يكون فيها الوقت ضيقاً، لذلك يقسم وقته على الجمعيات التى يذهب لتعليم الأميين فيها.
جميع الأعمار من الأميين تتجاوب مع «محمود»، وتأتى له لتمحو أميتها: «معايا لحد 85 سنة»، إذ تبدأ الأعمار من بداية استخراج الرقم القومى عند سن 15 عاماً، حتى 85 عاماً أو أكثر أيضاً: «ربنا جعلنى سبب فى محو أمية الكثير من أهالى الأسمرات»، لافتاً إلى أنه يعتبرها رسالة يقدمها لوجه الله، ما جعل الكثيرين من الأميين يترددون عليه، ويفضلون التعلم على يده: «كان بيوصل عندى العدد قبل جائحة كورونا لـ100 دارس فى الفصل».
جميع هذه الأعداد تأتى إلى «محمود» لهدف واحد فقط وهو «التعليم»، سواء للقراءة والكتابة، أو لقراءة القرآن وكذلك الإنجيل عند الأميين المسيحيين: «بحس فرحة كبيرة لما أكون سبب فى تنوير بصيرة أسرة».
إذا وجدت النية والقابلية والهدف فى التعلم داخل الشخص الأمى، يستطيع «محمود» تعليمه فى أسبوع واحد، ويجعله يكتب ويقرأ بالأبجدية: «المدرس قادر يحتضن الدارس ويخليه يحب التعليم».
الابن: باروح المدرسة وبالليل في النادي ألعب كورة
يلتقط أطراف الحديث ابنه «أحمد» الطالب فى الصف الأول الإعدادى، قائلاً إنه منذ مجيئه صغيراً إلى حى الأسمرات أحب المكان أكثر مما كان فى منزله القديم بمنشأة ناصر: «بروح المدرسة وأخلص حصتى وألعب فى الفسحة، وبعد المدرسة بروح النادى ألعب كورة بالليل»، إذ يأمل الطفل أن يكون فى المستقبل لاعب كرة قدم، مثل: «محمد صلاح، ميسى، ورونالدو».
أكثر ما يعجب «أحمد» فى الأسمرات هو النادى الرياضى، إذ يجتمع فيه مع أصدقائه للعب كرة القدم: «كل الناس هنا بقت صحابى بسرعة»، وفى رمضان جمعوا معاً النقود، واشتروا زينة رمضان لتعليقها.
ويتردد الصغير على قصر الثقافة مع والده فى كثير من الأحيان، ويشارك فى عدد من الأنشطة والورش، منها «الكمبيوتر، الرسم والتمثيل»، معبراً عن حبه لهذا الفن: «بحب التمثيل أوى ونفسى أشوف محمد رمضان وكل يوم بقعد أتفرج على جعفر العمدة مع أسرتى»، كما يأمل أن يصبح ضابط شرطة فى المستقبل؛ ليخدم الأهالى من منظوره البسيط الفطرى. والتقطت الزوجة أطراف الحديث معبرة عن سعادتها بالأجواء الرمضانية المختلفة كثيراً عن مكانهم القديم: «فيه اختلاف كبير بالنسبة لى، ماكنتش بخرج بره بيتى، دلوقتى بنزل مع ولادى وبنروح النادى وقصر الثقافة أو نتمشى نشترى حاجة».
الأنشطة الخاصة بالأطفال من الأمور التى أسعدت الزوجة كثيراً: «بينموا عقل الأطفال»، إذ تأمل أن ترى الكبير منهم ضابط شرطة، وابنتها «سندس» مدرسة مثلها هى ووالدها، بينما «روان» الصغرى تأمل فى أن تراها طبيبة.
الزوجة: الأجواء الرمضانية هنا أحسن وماكنتش بانزل من بيتى زمان.. وكمان هنا «بينموا عقول ومواهب الأطفال بالأنشطة»
وعن العمل مع زوجها فى محو أمية أهالى الأسمرات، قالت: «الناس بتجيلنا لوحدها، والحمد لله فيه قبول»، لافتة إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين أن يأتى الدارس وحده، وأن يفرض عليه التعليم، معتبرة نفسها تكمل زوجها فى العمل والمنزل، خاصة أنه السبب فى تعليمها، وأن تتحول من متعلمة إلى مُعلمة: «لما اتنقلنا هنا كان معايا إعدادية، وهو اللى ساعدنى وكملت وخدت دبلوم».
«ماكانش عندى الشجاعة أقف قدام ناس وأتكلم» هكذا عبّرت الزوجة عن دور زوجها فى أن تصبح شخصية مختلفة عما كانت عليه، وتكون سبباً فى محو أمية الكثيرين من أهالى الأسمرات بمساعدته وتوجيهاته لها: «طلعت من مكانى ماعرفش حاجة، ودلوقتى بقف قدام ناس كبيرة أعلمهم وبييجوا كمان يحكوا لى على مشاكلهم».