الجودة بالموجودة.. بلد «التكيات والأسبلة» وموائد الإفطار الجماعية «المصري أبو الكرم»
«المصري أبو الكرم»
يتميز الشعب المصرى منذ القدم بصفة الكرم، ففى العصر الفرعونى يوصى الحكيم القديم «بتاح حتب» ابنه بالعطاء، فيقول «كن كريماً نحو من يثق فيك فمن يدرى ربما يأتى الوقت الذى يساعدونك فيه»، وعلى مر الزمان كانت تلك الصفة ملازمة لأفعال الشعب الكريم، وآخر دلالاتها موائد الرحمن فى رمضان، التى وصل بعضها للعالمية منها إفطار المطرية الذى حضره عدد من سفراء العالم، كذلك مائدة إفطار فى شارع الـ90 بالتجمع الخامس لأكثر من 1000 شخص، وأطول مائدة إفطار بالشيخ زايد، وموائد شبرا وبنها والعريش والتى شهدت تفاعلاً كبيراً مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
أستاذ علم نفس: الشخصية المصرية تتميز بسمات نفسية إيجابية تعكس تمسكها بالفضائل والقيم
أكدت الدكتورة رحاب أحمد العوضى، أستاذ علم النفس السلوكى، أن الكرم تصرف أو حالة متوارثة، فكون المرء كريماً، ويتسم بالطيبة والسلوك المتسامح والتصرفات العطوفة والاهتمام بالآخرين، ليس ناشئاً اليوم بل هو فعل متوارث: «الشخصية المصرية تتميز بتوافر مجموعة من السمات النفسية الإيجابية التى تعكس تمسكها بالفضائل والقيم والأخلاق، منها العطف والكرم والتى تعكس رغبة الفرد فى مساعدة الآخرين وفعل الخير والأشياء الصالحة وتقديمها لهم والعناية بهم».
أضافت: «الكرم فضيلة، حيث يعرف كقيمة فى العديد من الثقافات والأديان وأظهرت الأبحاث أن التصرف بكرم لا يستفيد منه فقط من يتلقونه وإنما أيضاً يستفيد منه من يمنحه، وهو يأتى كنتيجة لتحرير الناقلات العصبية المسئولة عن مشاعر هدوء البال والاسترخاء عندما تؤدى مثل هذه التصرفات.
أوضحت أستاذ علم النفس السلوكى، أن الكرم فى المصريين يرجع للمصرى القديم الذى كان يعمل فى مهنة الزراعة، فكانت المأكولات موجودة فى المنزل طوال العام، وكذلك كثرة الانتماء للمجتمع والانتماء للوطن، فمهنة الزراعة لها سيكولوجية خاصة تهتم بالعطاء، سلوك مكتسب وتوارثوه عبر الأجيال، سلوك منذ القدم وتوارثته الأجيال، وسلوك مكتسب ومتوارث.
لا يوجد ميدان أو شارع أو حارة مصرية تخلو من موائد الرحمن
بدوره، قال الشيخ خالد الجمل، الداعية الإسلامى والخطيب بالأوقاف، إن الكرم من أكثر القيم التى تميز بها الشعب المصرى عبر تاريخه، حتى إنه تقريباً لا يوجد ميدان أو شارع أو حارة مصرية تخلو من موائد الرحمن التى منها ما يكون فى شهر رمضان ومنها ما قد يمتد طوال العام فى مختلف الأحياء والمستويات، مضيفاً: مما كان معروفاً فى مصر القديمة انتشار ما يسمى بالسبيل وهو مكان لشرب المياه العذبة وتوزيعها على الناس فى الشوارع مجاناً يتبرع بإنشائه صاحبه حيث إن الحصول على الماء العذب كان مكلفاً وشاقاً على الناس، ومن أمثلة تلك الأسبلة سبيل أم عباس وسبيل محمد على وسبيل السلطان وغيرها مما انتشر فى ربوع مصر كلها.
وأضاف: مما كان يشيع أيضاً بين الناس ما كان يسمى بالتكية، هذه التكايا التى كانت تملأ الشوارع والأحياء فى مصر أكبر دليل على كرم هذا الشعب، والتكية مكان يوزع فيه الطعام على الناس طوال العام مجاناً حيث كان المحتاج للطعام يذهب فيه ليأكل من اللحم ما يريده طوال العام بدون مقابل ومن أمثلتها تكية تقى الدين وتكية السليمانية وغيرها.
وقال د. عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن الليث بن سعد إمام الفقه كان مثال الكرم بين أهل مصر، والذى كان من أثرى الأثرياء حتى إنه كان يملك أغلب الأراضى الزراعية فى ناحية حلوان فى مصر وكان رضى الله عنه يدعو معه فى حجه واعتماره سفناً كاملة على نفقته الخاصة كرماً منه على من حوله وكان يطعم الناس الطعام فى الأسواق طوال العام ودون انقطاع، وهناك أمثلة أهل مصر الذين ضربوا أروع الأمثال فى الجود والكرم ليس فقط بالمال ولكن بالأخلاق والمروءة والدفاع عن غيرهم على مر العصور وإلى زمننا هذا.