الإخوان في مواجهة القضاة.. تاريخ حافل بالإرهاب والاعتداء على منصة القضاء
اعتصام القضاة رفضاً للإعلان الدستوري المكمل «صورة أرشيفية»
تاريخ حافل بالمواجهات، ذلك الذى يجمع تنظيم الإخوان الإرهابى بحراس العدالة والجالسين على منصات القضاء، منذ حسن البنا وصولاً إلى محمد بديع وأتباعه فى مكتب الإرشاد الذى كان يدير البلاد خلال العام الأسود لحكمهم.
ومارس التنظيم فى حق القضاة الترهيب تارة والترغيب تارة أخرى لاستمالتهم، إلا أن الأغلب الأعم كان الاعتداء على منصة القضاء من أجل السيطرة عليه، وتمكين أتباع التنظيم من مفاصله، وتتابعت تلك المحاولات قبل ثورة الثلاثين من يونيو 2013 بوسائل مختلفة، أولها إصدار مشروعات قوانين مخالفة للدستور تماماً، وقرارات غير دستورية مثل عودة مجلس الشعب المنحل، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى محاولات الاغتيال الدامية التى نفذوها ضد قضاة مصر.
ومنذ أن تولى محمد مرسى حكم البلاد ضرب التنظيم بالأحكام القضائية عرض الحائط، وهو ما ظهر فى إصداره قراراً بعودة مجلس الشعب المنحل بحكم القضاء إلى الانعقاد، غير أن المحكمة الدستورية العليا تصدّت له وألغت القرار، ثم بدأ المعزول فى التخبط فى قراراته التى كانت تصدر من مكتب الإرشاد.
وجاءت رغبة الإخوان فى السيطرة على القضاء ومحاولة وضع دستور «يناسبهم فقط» واضحة فى تشكيلهم للجمعية التأسيسية لوضع دستور فى 2012، إذ غلب الطابع الإخوانى على أغلبية الجمعية، الأمر الذى أدى إلى عزوف الكثير من أبناء الشعب المصرى عن المشاركة فى الاستفتاء على الدستور، الذى كان يكرس لسيطرة التنظيم على مفاصل الدولة ومؤسساتها، كما عزف أغلب القضاة عن المشاركة فى الإشراف على الاستفتاء.
استمر تنظيم الإخوان فى اتخاذ قرارات غير قانونية تماماً، حسب وصف المتخصصين فى القانون، منها إصدار الإعلان الدستورى المكمل فى نوفمبر 2012، الذى أعطى محمد مرسى لنفسه صلاحيات مطلقة بموجبه، بحظر رقابة القضاء على قرارات رئيس الجمهورية، ليطلق لنفسه العنان فى إصدار أى قرارات دون اعتراض أحد، وهو ما يمثل اعتداء وانتهاكاً صارخاً لاستقلال السلطة القضائية واختصاصاتها، كما خلق خلافات بين القوى السياسية والثورية، إذ انفردت الجماعة وحلفاؤها بوضع الدستور، وغلب الطابع الإخوانى على أغلبية الجمعية، ما أدى إلى انسحاب القوى المدنية.
وسعى الإخوان لتنفيذ خطة «أخونة الدولة» وتعيين أتباعهم ومناصريهم فى مختلف المؤسسات، حتى القضاء لم يسلم من «الأخونة»، فظهرت حركة «قضاة من أجل مصر» الموالية للإخوان، التى تولت الدفاع عن «مرسى» وجماعته وتأييد قراراته وكأنها المتحدثة باسم الإخوان داخل المؤسسة القضائية.
وحول تاريخ العداء بين الإخوان والقضاء، قال الدكتور مصطفى السعداوى، أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق بجامعة المنيا، لـ«الوطن»، إن الإخوان حاولوا السيطرة على القضاء المصرى من خلال بعض المشاريع التى تمكّنهم من ذلك، وخاصة النيابة العامة، ومن أبرز محاولاتهم لتقويض السلطة القضائية، القانون رقم 17 لسنة 2012 الذى تقدم به عصام سلطان، وكان محوره التأثير على الحقوق السياسية ومحاولة إحالة القضاة غير المنتمين للتنظيم إلى «الصلاحية».
وخاض القضاء المصرى معارك ضد العصابة الإرهابية، على حد وصف أستاذ القانون الجنائى، فكان من أخطر مظاهر الهجمات التى شنَّها الإخوان على القضاء عزل القاضى الجليل المستشار عبدالمجيد محمود، وهو أحد رموز القضاء فى مصر، وفى هذا التوقيت عُزل من منصب النائب العام بما لا يجوز قانوناً وتم تعيينه فى وظيفة سفير فى الفاتيكان، وهو ما أشعل ثورة غاضبة بين جموع المصريين.
وتابع «السعداوى» أن سلسلة هجمات الإخوان على القضاء المصرى شملت كذلك دعوتهم لعودة مجلس الشعب الذى حلته المحكمة الدستورية للانعقاد مرة أخرى، ما يمثل إهداراً للحكم الصادر من الدستورية وتدخلاً فى عملها، والأخطر، بحسب وصفه، استبعاد المستشارة تهانى الجبالى، أول قاضية مصرية، من منصبها، فى اعتداء صارخ على السلطة القضائية، عندما تدخلوا واستبعدوا 7 قضاة من المحكمة الدستورية العليا.
وأشار أستاذ القانون الجنائى إلى محاولة أخرى من محاولات الإخوان فى تقويض السلطة القضائية، وهى مشروع قانون تخفيض سن القضاة إلى 60 سنة بدلاً من 70 سنة، وهو ما يترتب عليه عزل 3500 قاضٍ فى «مذبحة للعدالة فى مصر»، إلا أن القضاة عقدوا عدة جمعيات عمومية لرفض المشروع.
وأضاف «السعداوى» أن من مظاهر الاعتداء على السلطة القضائية الحادثة التى لم يشهد لها التاريخ فى مصر أو فى العالم مثيلاً، وهى حصار الجماعة للمحكمة الدستورية العليا فى ديسمبر 2012 لمدة 18 يوماً، حيث احتشد خلالها عناصر الجماعة أمام المحكمة ومنعوا القضاة من مزاولة عملهم، بل إنهم أغلقوا طريق كورنيش المعادى فى محافظة القاهرة.
ولم تتوقف سلسلة اعتداءات الإخوان على منصة القضاء عند ذلك الحد، بل وصل الأمر إلى محاولة اغتيال المستشار أحمد أبوالفتوح، عضو الدائرة التى أدانت محمد مرسى فى قضية الاتحادية، ومحاولة اغتيال المستشار خالد محجوب الذى نظر قضية هروب قيادات الإخوان من السجن، ومحاولة اغتيال القاضى يوسف نصيف، رئيس محكمة الخانكة، ومحاولة اغتيال القاضى طارق أبوزيد بمحكمة جنايات الفيوم، والمستشار رامى منصور، رئيس نيابة البدرشين، فضلاً عن قيامهم بذرع عبوة ناسفة تحت سيارة المستشار محمد زياد فى الغربية، واغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات ليصبح الحدث الأعظم، وفق الدكتور مصطفى السعداوى، كما اغتالوا 3 قضاة فى العريش فى مايو 2015.
أستاذ قانون جنائى: مصر عاصرت عصابة إجرامية إرهابية ذهبت إلى مذبلة التاريخ
واختتم «السعداوى» حديثه عن محاولات الإخوان لتقويض السلطة القضائية قائلاً: «يكتب التاريخ أن مصر عاصرت عصابة إجرامية إرهابية ذهبت إلى مذبلة التاريخ، وبقيت مصر بشرفائها أرضاً طيبة وشعباً مباركاً».
عميد «حقوق عين شمس» السابق: فشلوا فى تقويض السلطة القضائية بسبب صمود رجالها فى وجه الجماعة
من جانبه، أكد الدكتور ناجى عبدالمؤمن، أستاذ القانون وعميد كلية الحقوق بجامعة عين شمس سابقاً، أن القضاء المصرى مستقل ولا ينحاز أو يرضخ لأى جهة مهما كانت، مفسراً وقوف القضاء المصرى أمام كافة محاولات تقويضه التى نظمتها جماعة الإخوان الإرهابية بأنه قضاء مستقل ولا ينبغى أن يتدخل أى أحد فى شئونه.
ووصف الدكتور ناجى عبدالمؤمن تعامُل الإخوان مع القانون بصفة عامة فى فترة حكمهم للبلاد بأنه بدعة ولا يجب أن يكون، مؤكداً أن القاضى المصرى مُشبع باحترام القانون منذ أن عُين معاوناً للنيابة، موضحاً أن القضاء المصرى كان شامخاً أمام كل المحاولات التى جرت بقصد تسييس دوره وجعله مطية للجهات الأخرى. وبحسب «عبدالمؤمن» فإن تقويض السلطة القضائية محاولة باءت بالفشل بسبب صمود وقفة رجال القضاء المصرى فى وجه جماعة الإخوان، مؤكداً أن القضاء لا يعنيه النظام السياسى بقدر ما يعنيه أن تقوم الدولة على أسس قانونية واحترام سيادة القانون.
وعن فترة حكم الإخوان، قال أستاذ القانون: «حدث عبث فى هذه الفترة ببعض التعيينات وبعض المواقف، الحمد لله لم يكتمل حكمهم فى دولة يسود فيها رأى القانون والسلطة القضائية، وهى مرحلة انتهت وانقضت، ونحن كرجال قانون وقفنا مع الدولة المصرية».