جدل حول جدوى اتفاق «الجنيه مقابل الروبل» بين مصر وروسيا
أثار طرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين استعداد بلاده لاستخدام العملتين المحليتين «الجنيه والروبل» فى التسويات التجارية والاقتصادية بين البلدين، بديلاً عن الدولار، والاتفاق المبدئى حول بدء التنفيذ، جدلاً كبيراً حول جدوى هذا الإجراء وواقعيته.
وحذر السفير جمال بيومى، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، من العواقب الدولية والاقتصادية لاستخدام نظام المقايضة، مشيراً إلى أن الروبل الروسى فقد أكثر من 50% من قيمته مؤخراً نتيجة للعقوبات الدولية المفروضة على موسكو وهبوط أسعار النفط العالمية بالإضافة إلى تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
وقال «بيومى»: لا يمكن أن نعول على السياحة الروسية باعتبارها الأولى من حيث عدد السياح الوافدين، بسبب كثرة الوسطاء الأجانب الذين لن يقبلوا بالضرورة التعامل بالجنيه أو الروبل، مؤكداً أن اعتماد العملتين سيدفع الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية «الجات» لتقديم شكاوى ضد مصر، فضلاً عن فرض قيود مماثلة من جانب صندوق النقد والبنك الدوليين. ولفت «بيومى» إلى أن روسيا لا تعد ضمن الشركاء التجاريين العشر الأوائل لمصر، كما أنها لا تمثل قوة معتبرة فى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
فى المقابل، رحب ممتاز السعيد، وزير المالية السابق، بالاتفاق وقال لـ«الوطن» إن تطبيقه سيكون له أثر إيجابى على الاقتصاد المصرى، مضيفاً أن هذا الأثر سيظهر بعد تنفيذ الاستثمارات الروسية فى مصر التى تتضمن عدة مشروعات ضخمة، على رأسها تنفيذ محطة الضبعة النووية. وأضاف: مصر لن تكون المستفيد الوحيد من هذا الاتفاق بينما سينعكس أثره الإيجابى أيضاً على الجانب الروسى، موضحاً أن روسيا تبحث عن فتح أسواق عديدة خارج الاتحاد الأوروبى لكسر حدة الحصار الاقتصادى الغربى.
وتابع: على الرغم من استفادة الطرفين من استخدام العملة المحلية بديلاً للدولار فى تسوية المعاملات التجارية فإن مصر ستكون المستفيد الأكبر، حيث إن الميزان التجارى يصب فى مصلحة روسيا، وبناء على ذلك فإن مصر أكثر استيراداً للمنتجات الروسية، ولذلك فاستخدام الجنيه فى شراء السلع الروسية، وخصوصاً الغاز المسال الذى ستستورد مصر كميات كبيرة منه خلال الفترة المقبلة بعد نجاح المفاوضات المصرية مع شركة «غازبروم».
وحول تأثر العلاقات المصرية بدول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة بالاتفاق، قال «السعيد»: بالرغم من أن الاتحاد الأوروبى يعد الشريك الأول من بين دول العالم لمصر اقتصادياً وتليه الولايات المتحدة، فإن دول الاتحاد الأوروبى بدأت تعى جيداً حالياً أن حصار روسيا ومقاطعة منتجاتها قرار لا يصب فى مصلحتها، ولذلك بدأ عدد من الدول الأوروبية فى الفترة الأخيرة بكسر الحصار الاقتصادى الغربى على روسيا.
وقال الدكتور أحمد أبوالنور، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، إن التبادل التجارى بالعملتين مفيد جداً للبلدين، لأنه يقلل من الاعتماد على الدولار ويسهم فى تخفيض الطلب عليه بالسوق السوداء، مشيراً إلى أن مخزون الروبل والجنيه لدى البلدين لن يكون معطلاً، حيث سيتم استغلاله فى الصفقات المتبادلة.
وقال محمد شكرى، عضو المجلس التصديرى للصناعات الغذائية، إن الاتفاق رسالة قوية تؤكد خروج الدولار من منظومة التعامل بين الدولتين تجارياً بما يسهم فى تحسين الميزان التجارى دون اللجوء لطرف ثالث هو الدولار، مستدركاً: القرار يحتاج لزيادة حجم الصادرات المصرية للجانب الروسى بما يسهم فى توازن الميزان التجارى بين البلدين، الأمر الذى يحتاج لتعديل المنظومة التشريعية المعوقة للاستثمار بما يساعد فى زيادة الطلب على المنتج المصرى داخلياً وخارجياً.
وأوضح «شكرى» أن الاتفاق صفعة اقتصادية قوية على وجه الولايات المتحدة التى تسيطر عملتها على حركة التبادل التجارى فى العالم، خاصة فى مجال الطاقة، لافتاً إلى ضرورة إنشاء هيئة سلامة الغذاء تابعة لرئاسة الوزراء لإحكام عملية الإنتاج بعيداَ عن العشوائية بما يسهم فى احترام المنتج المصرى، مؤكداً أن لدينا منتجاً للتصدير وآخر للسوق المحلية غير خاضع للرقابة، ما تعمل هيئة سلامة الغذاء فى القضاء عليه لخلق منتج للمنافسة داخلياً وخارجياً.
وقال صفوت عبدالبارى، نائب المجلس التصديرى للتعدين، إن التعامل بالعملتين فى صالح الاقتصاد المحلى ويسهم فى فتح مجالات تجارية عديدة خاصة، لتشابه معاناة البلدين من حيث استنزاف العملة المحلية، مضيفاً: الدولار عملة ليس لها غطاء، ويتم طبع نحو 60 مليون دولار يومياً فى الولايات المتحدة، والتقارب الاقتصادى بين مصر وروسيا يقضى على كذبة الدولار.
وأشاد الدكتور عاطف عبداللطيف، عضو اتحاد الغرف السياحية، بإلغاء التعامل بالدولار فى التبادل التجارى بين البلدين. وطالب بإدخال السياحة ضمن الصفقات التجارية بين البلدين ما يزيد من أعداد السائحين الروس لعدم تكبدهم مشقة البحث عن الدولار. وقال إن تحديد أسعار البرامج السياحية وتكلفة الفنادق والإعاشة بالجنيه أفضل من التعامل بالروبل، لأنه فى تراجع مستمر وغير مستقر عالمياً فى حين أن سعر الجنيه الآن مستقر فى الأسواق، متوقعاً زيادة أعداد السياح الروس الفترة المقبلة نتيجة للإصلاحات والاتفاقيات التى أبرمها الرئيسان عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين خلال زيارة الأخيرة لمصر بعد تراجع بنسبة 60% فى أعقاب تدنى أسعار البترول الخام وتراجع قيمة الروبل الروسى.
وتابع «عاطف»: عدد السائحين الروس بلغ 2 مليون و400 ألف سائح فى 2013، قضوا 23 مليون ليلة سياحية فى مصر، وفى 2014 ارتفع عدد السائحين الروس لمصر إلى 3.2 مليون سائح روسى قضوا 35 مليون ليله سياحية بزيادة نحو 31% فى عدد السائحين عن 3013 وتم تحقيق ربح 7.5 مليار دولار فى 2014.
ورحب أحمد شيحة، عضو مجلس الأعمال المصرى - الروسى، بإلغاء التعامل بالدولار، مؤكداً أن التبادل التجارى بالعملة المحلية مفيد جداً للبلدين، خاصة بعد انخفاض أسعار البترول عالمياً، وأشار إلى أن إلغاء التعامل بالدولار سيخفف من الضغط على احتياطى البنك المركزى من العملة الأجنبية خاصة أن هناك تحديات كبيرة تواجه الاقتصاد المصرى نتيجة تراجع الموارد الدولارية، مؤكداً أن البلدين فى حاجة إلى هذه الخطوة بسبب نقص المخزون الاستراتيجى من العملة الأجنبية.
وقال اللواء حسن سليمان، رئيس شركة «لادا إيجيبت» للسيارات إن الاتفاق يصب فى صالح مصر، موضحاً أن الجنيه المصرى ضعيف، وأن مصر ستوسع مجال وارداتها من روسيا فى الفترة المقبلة، ومنها الغاز الروسى، وأشار إلى أن العديد من الدول تستطيع التداول التجارى مع دول حليفة أو مجاورة بعيداً عن الدولار، ومنها تعامل روسيا مع الصين بالعملة المحلية، وأضاف أن هذه الخطوة ستنعش الاقتصاد وتخدم السياحة، خاصة أن نحو 25% من السائحين فى مصر روس، لافتاً إلى أن روسيا لجأت لتبادل العملات المحلية لانخفاض قيمة عملتها مؤخراً، وأن هذه الصفقة ستصب فى صالح الجانبين، خاصة إذا أخذت مصر خطوات فعالة للصفقات المتكافئة، وأكد أن الميزان التجارى فى صالح موسكو بمليار جنيه، وأن فرض العقوبات الغربية على موسكو دفع روسيا للبحث عن شركاء جدد للتعاون والاستثمار معهم، وهذا يعنى سعى روسيا للإسراع بالاستثمار فى مصر، معرباً عن اعتقاده بأن مصر ستستعيد جذب المستثمرين، وأن مؤتمر مارس فرصة كبيرة لهذا الأمر، لكن هذا يتطلب تكثيف اللقاءات للدوائر الحكومية ورجال الأعمال فى ضوء ما أعلنه الرئيسان عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين برغبتهما فى دعم التعاون بين البلدين.