الشرطة الفرنسية "متوترة" بعد غموض طلعات الطائرات المسيرة
بدت السلطات الفرنسية عاجزة عن كشف لغز طلعات الطائرات المسيرة (طائرة من دون طيار) فوق محطات ومواقع نووية استراتيجية ومقر الرئاسة ومختلف مناطق باريس، وتشكل منذ الخريف قلقًا لها، لكنها تؤكد أنها ليست خطرًا داهمًا.
فبعد أقل من شهرين على الهجمات الدامية، شهدت باريس لليلة الثانية على التوالي تحليق طائرة واحد أو أكثر من دون طيار "خمس مرات على الأقل"، بحسب مصدر في الشرطة.
من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول، إن الأمر "لا يثير القلق"، مؤكدًا أن السلطات تتعامل "بجدية كبيرة" مع هذه الظاهرة التي تبعث على الحيرة لدى المحققين.
لكن مصدرًا قضائيًا أعلن في وقت لاحق ضبط ثلاثة صحفيين من قناة "الجزيرة" أمس في باريس بعدما أطلقوا طائرة من دون طيار من حديقة في ضواحي باريس حلقت فوق المدينة.
وأوضح أن الصحفي "الأول كان يوجه الطائرة والثاني يصورها والثالث يتابعها". إلا أن المصدر قال إنه لا يوجد أي دليل حتى الآن على علاقة الصحفيين بطائرات من دون طيار حلقت لعدة ليال فوق العاصمة الفرنسية خلال الأسبوع الحالي.
وشوهدت الطائرات بشكل خاص الليلة الفائتة فوق مقري الجمعية الوطنية ومجمع "ليزينفاليد" وفوق ساحة الكونكورد القريبة من السفارة الأمريكية التي سبق أن حلقت فوقها الليلة السابقة.
وشوهدت "على طول نهر السين" وفوق عدد من مداخل ضواحي باريس، بحسب مسؤول في شرطة باريس. ومجددًا، تعذر توقيف أي شخص يسير تلك الطائرات كما لم يتبن أي طرف هذه الأعمال.
وبات من السهل رصد هذه الطلعات نتيجة انتشار كبير لقوى الأمن في باريس منذ هجمات يناير التي استهدفت صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة وشرطيين ومتجر أطعمة يهودية، وأدت إلى مقتل 17 شخصًا.
وأوضح المصدر في الشرطة، أن "الكثير من المواقع الحساسة خاضعة لحماية كما نطلب من قوى الأمن مراقبة الأجواء، لقد تم رصد الطائرات بدون طيار سريعًا".
وفتح القضاء تحقيقًا أول من أمس، بعد طلعات الليلة السابقة. لكن مصدرًا قريبًا من الملف أكد "عدم إحراز تقدم يذكر".
وما زالت دوافع مسيري الطائرات وهوياتهم غامضة، سواء كانت تجارب لألعاب جديدة أو هواة تصوير يتلهون بمشاكسة الشرطة، أو ناشطين يحاولون إبراز الثغرات الأمنية من خلال تلك الطائرات أو أعمال رصد إجرامية.
وأفاد أحد المحققين "لن يفاجئني أن أشاهد بعد أيام على (يوتيوب) تسجيلات طلعات فوق العاصمة" مؤكدًا عدم القلق حيالها.
وقال المصدر القريب من الملف، إن الخيط الإرهابي "ليس مرجحًا رغم أنه غير مستبعد بشكل كامل" لكن السلطات تتعامل مع هذه الطلعات "بجدية، فلا يمكن استبعاد أي نظرية".
وتسلط الطلعات فوق العاصمة الضوء مجددا على السلطات المحرجة. فقد سبق أن جرت في 20 يناير فوق قصر الاليزيه مقر الرئاسة، وبعد ثمانية أيام فوق موقع يفترض أنه الأكثر أمنًا في البلاد: القاعدة البحرية قرب بريست (غرب) حيث تتمركز الغواصات النووية الفرنسية الأربع قاذفة الصواريخ، وتشكل رأس حربة قوة الردع الفرنسية.
وما زال الغموض كاملًا منذ الخريف عندما رصدت الطلعات الأولى في محيط 13 من أصل 19 محطة نووية في البلاد. وكانت بعض الطلعات متزامنة وفي مواقع مختلفة تبعد عن بعضها مئات الكيلومترات، ما يغذي فرضية أن تكون عمليات منظمة. وفرنسا ليست حالة وحيدة بحسب لوفول الأربعاء، متحدثًا عن سوابق في ألمانيا حيث "تم التحليق فوق مقر المستشارية"، والولايات المتحدة حيث سقطت طائرة صغيرة بلا طيار في حديقة البيت الأبيض في 26 يناير.
ويبقى تقييم خطر هذه الأجهزة أمرًا دقيقًا. فالأكثر بدائية منها يسيرها من بعد أفراد يختبئون في مكان قريب. لكن هناك نماذج أخرى يمكن برمجتها وبعضها لا يمكن رصده، ويمكن شراؤها في المتاجر مقابل 350 إلى 400 يورو.
وأشار خبراء إلى أن خفة وزن الطائرات المسيرة هذه يحد قدرتها على نقل متفجرات على سبيل المثال.
لكن السلطات تصر على عدم الاستهانة بالخطر أيًا كانت درجته. وصرح رئيس أركان سلاح الجو الفرنسي الجنرال دوني ميرسييه، أخيرًا "نحن نتعامل مع هذا التهديد بجدية كبيرة. ليس على مستوى الطائرات التي نرصدها اليوم، بل لان هذا التهديد سيتعاظم".