في يوم الخميس الموافق التاسع والعشرين من شهر يونيو 2023م، رفض مجلس الدولة الفرنسي طلب لاعبات مسلمات منحهن حق المشاركة في المنافسات وهن يرتدين الحجاب، معتبراً أن الأمر يتعارض مع المادة الأولى من قوانين الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، التي تحظر ارتداء أي لباس أو رفع أي شعار يُظهر الانتماء الديني للرياضيين، وهو ما دفع بعض اللاعبات المسلمات إلى مغادرة فرنسا والاحتراف بالخارج.
في المقابل، وبعد شهر واحد تقريباً من صدور حكم مجلس الدولة الفرنسي، وفي يوم الأحد الموافق الثلاثين من شهر يوليو 2023م، وضمن مباريات الجولة الثانية للمجموعة الثامنة (H) لكأس العالم للسيدات المقامة في استراليا ونيوزلندا، وعلى أرضية ملعب «هندمارش» في استراليا، التقى المنتخب المغربي لكرة القدم مع نظيره الكوري الجنوبي، حيث انتهت المباراة لصالح الفريق المغربي بنتيجة هدف واحد مقابل لا شيء.
وشهدت هذه المباراة حدثاً فارقاً يحدث للمرة الأولى في ملاعب كرة القدم، حيث شاركت اللاعبة المغربية، نهيلة بن زينة، مرتدية حجاباً أبيض متناغم من زي المنتخب المغربي الذي لعب هذه المباراة بالزي الأبيض. وبذلك، تكون اللاعبة ذات الجنسية المغربية أول لاعبة محجبة في تاريخ بطولات كأس العالم للسيدات.
وشاركت بنزينة (25 عاماً) المباراة من بدايتها، وأظهرت موهبتها حيث كادت أن تهز الشباك الكورية، لكن الأهم أن ظهورها بالحجاب مثل لحظة فارقة في كرة القدم النسائية على مستوى العالم. ونهيلة لاعبة محترفة في فريق الجيش الملكي، وهي معتادة على ارتداء الحجاب في المنافسات المحلية.
وتعليقا على هذه الواقعة، وعبر حسابه الرسمي على منصة التواصل الاجتماعي «انستجرام»، قال جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا): «أصبحت نهيلة بنزينة أول لاعبة ترتدي الحجاب أمس (الأحد) في إحدى مباريات كأس العالم للسيدات، كرة القدم شاملة وأكثر تسامحاً وعالمية ومتنوعة»، وأرفق منشوره بوسم «لا تمييز».
والواقع أنه لم يكن يُسمح بارتداء الحجاب على المستوى العالمي لبعض الوقت بسبب قواعد الصحة والسلامة في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
وبناء على ذلك، مُنعت اللاعبات الإيرانيات المحجبات من المشاركة في منافسات كرة القدم النسائية في أولمبياد لندن سنة 2012م، الأمر الذي قاد إلى إثارة الجدل حول الموضوع. وعلى إثر ذلك، تلقى الفيفا طلباً من العديد من الدول واللاعبات لتغيير القوانين التي تمنع المحجبات من اللعب في المنافسات الدولية، وذلك من أجل «المساهمة في تطوير كرة القدم». وقد وجد هذا الطلب استجابة ورداً إيجابياً من الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وهكذا، وفي اليوم الأول من شهر مارس 2014م، اعتمد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) قوانين جديدة تسمح للاعبات بالمشاركة في المباريات، وهن مرتديات الحجاب. ورغم دخول هذا القرار حيز النفاذ منذ أكثر من تسعة أعوام، فإن التطبيق العملي له على أرض الواقع لم يتم سوى مؤخراً، وتحديداً خلال مباراة المنتخبين المغربي والكوري الجنوبي ضمن مباريات كأس العالم للسيدات 2023م، عندما ظهرت اللاعبة نهيلة بن زينة، وهي تشارك في المباراة بغطاء رأس وبلباس يغطي كامل جسمها، متناسق مع اللون الأبيض الذي لعبت به لاعبات المنتخب المغربي المباراة.
وإذا كانت لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم تسمح بارتداء الحجاب، فإن القوانين الفرنسية ما زالت تبقي على حظر ارتداء الحجاب في المنافسات الرياضية. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة الأولى البند الأول من النظام الأساسي للاتحاد الفرنسي لكرة القدم، معدلاً في 10 يونيو 2023م، «المنظمة المسماة الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، الذي تم تأسيسه في السابع من أبريل 1919 من خلال تحويل اللجنة الفرنسية المشتركة المنشأة سنة 1906م، والمعترف به كمؤسسة ذات نفع عام بموجب المرسوم الصادر في الرابع من ديسمبر 1922م، يضم التجمعات الرياضية المسماة الأندية الهادفة بشكل أساسي أو فرعي إلى إتاحة ممارسة رياضة كرة القدم.
الاتحاد وهيئاته اللامركزية، باعتبارها أجهزة منوط بها من الدولة مهمة تتعلق بالنفع العام، عليها مهمة الدفاع عن القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية، وينبغي بالتالي أن تضع موضع التنفيذ الوسائل الكفيلة بمنع كل تمييز أو اعتداء على كرامة أي شخص، ولاسيما التمييز بسبب الجنس، أو التوجهات الجنسية، أو الأصل الإثني، أو الجنسية، أو الموقع الجغرافي، أو اللغة، أو المركز الاجتماعي، أو مظهره البدني، أو معتقداته السياسية أو الدينية.
ومن جهة أخرى، فإن احترام الزي التنظيمي والقاعدة رقم 50 من الميثاق الأولمبي تضمن حيادية الرياضة في أماكن الممارسة. لهذا السبب المزدوج، وفيما يتعلق بالمنافسات والفعاليات المنظمة على أراضي الاتحاد أو بمناسبتها، يكون محظوراً كل حديث أو لافتة ذات طابع سياسي أو عقائدي أو ديني أو نقابي. كذلك، يكون محظوراً ارتداء أي علامة أو زي يُظهر بشكل جلي وظاهر الانتماء السياسي أو الفلسفي أو الديني أو النقابي.
ويكون محظوراً أيضاً كل عمل من أعمال التبشير أو عمل دعائي أو أي شكل من أشكال الفظاظة أو عدم التحضر. أي شخص يخالف هذه الأحكام سيكون عرضة للمساءلة التأديبية والجزائية عند الاقتضاء. ينبغي على المسؤولين السهر على احترام الأحكام سالفة الذكر».
ومن ثم، وإزاء تنظيم باريس دورة الألعاب الأولمبية 2024م، لذا فقد أثار الموضوع التساؤل وطرح الأمر علامات استفهام حول تضاد القوانين الفرنسية مع تلك التي يعتمدها الاتحاد الدولي لكرة القدم، وبالتالي ضرورة تحقيق التناغم والتناسق بين القوانين الوطنية الفرنسية وبين القوانين واللوائح الصادرة عن الاتحادات الرياضية الدولية، منظوراً في ذلك إلى أن باريس ستحتضن سنة 2024 منافسات كرة القدم للسيدات ضمن أولمبياد باريس، وربما ترغب في استضافة بعض الفعاليات الرياضية النسائية مستقبلاً.
وأثارت صحيفة «ليكيب» (L’équipe) هذا الموضوع، مبرزة أن موقف الجمهورية الفرنسية يختلف تماماً عن موقف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في هذا الشأن، سواء من الناحية القانونية أو السياسية، مبينة أن وزير الداخلية، جيرالد دارمنان، سبق أن انتقد فكرة رؤية لاعبات محجبات على أرضية الملعب.
وإذا كانت وزيرة الرياضة، إميلي أوديا كاستيرا، لا تستبعد تطور القانون وتعديله في هذا الشأن، فإن رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، قالت أمام الجمعية الوطنية إن الحكومة «معبأة بالكامل لضمان احترام العلمانية في الرياضة».
وجدير بالذكر في هذا الصدد أن الفرنسيين لا يزالون يتذكرون قضية اللاعبة السابقة لنادي باريس سان جيرمان، لينا بوساحة، التي رُفض طلبها اللعب وهي ترتدي الحجاب، ما دفعها للرحيل إلى المملكة العربية السعودية للعب لصالح نادي النصر، حيث علقت حينها، قائلة: «ستُمنع هؤلاء النساء، المواطنات الفرنسيات، من تحقيق إنجازات على أرضية الملعب، ولن يكن قادرات على ممارسة اللعبة التي يحببنها، إنه أمر محزن أن نصل إلى هنا، نحن حقاً في ظُلم وانعدام للمساواة».