مصنع «تيتان للأسمنت» يهدد حياة 70 ألفاً بوادى القمر ويصيب آلاف الأطفال بالتحجر الرئوى
«إحنا محاصرين بالموت، مصنع الأسمنت، وشركة البترول، ومصنع الكيماويات.. مفيش واحد مننا سليم»، بهذه العبارات صرخت السيدة فاطمة مرزوق، إحدى سكان منطقة «وادى القمر» بالإسكندرية، بعد أن أصيبت هى وزوجها وابناها الصغيران 3 و5 سنوات، بالحساسية المزمنة بالصدر، بسبب التلوث الذى يصل لحد المرض، وربما الوفاة بفضل مصنع الأسمنت «تيتان» الذى تسبب فى إصابة معظم سكان المنطقة، خاصة الأطفال، بأمراض الحساسية المزمنة والتحجر الرئوى وحساسية الجلد، وأمراض العيون.
«الوطن» استمعت لأهالى وأطفال منطقة وادى القمر الذين أكدوا أنه لا يوجد مواطن سليم، وغير مصاب بهذه الأمراض، بسبب مصنع الأسمنت الذى أنشئ ملاصقاً للمنازل، وترك مخلفاته تطير فى الهواء لتسقط عليهم فى مساكنهم، وعلى الخضراوات، والأفران، وكافة الأطعمة.
يقول الحاج سيد سعيد، 52 سنة، إنه يعيش باستخدام القطرة الطبية «البخاخة» التى لا يستطيع التنفس بدونها بسبب إصابته بحساسية شديدة وضيق فى التنفس، حتى إنه تم إحالته إلى المعاش المبكر بسبب الهواء الناتج عن المطاحن.
والتقت «الوطن» السيدة فاطمة أثناء اصطحابها لابنها «محمد خميس» إلى مستشفى «فوزى معاذ» لتلقى العلاج بعد أن أصيب بالحساسية المزمنة، حيث أوضحت أنها ككافة سكان المنطقة تذهب بابنها كل شهر ليحجزوه عدة أيام لتلقى العلاج، قائلة «ليس أمامى حل آخر، بعد فشلنا فى الشكاوى والاستغاثات لكافة المسئولين».[Image_2]
وقال مصطفى أحمد، 15 سنة، لـ«الوطن» أثناء توجهه إلى الصيدلية لشراء دواء الحساسية «إنه على الرغم من صغر سنه فإنه لا يعيش دون دواء الحساسية، وإنه يتمنى أن يعيش فى منطقة أخرى ليس فيها دخان أسمنت».
من جانبه، قال محمد الضبع، المنسق العام للحملة الشعبية لنقل مصنع «أسمنت تيتان» من المنطقة السكنية «إن عمر منطقة وادى القمر السكنية يتجاوز الـ200 عام، أى قبل إنشاء مصنع الأسمنت بأكثر من 150 سنة، وذلك طبقا لخريطة صادرة من الهيئة العامة للمساحة عام 1944.
وأضاف أنه فى عام 1948 تم إنشاء مصنع الأسمنت، وكانت شركة «بورتلاند المصرية» وقتها ملكا للقطاع العام، ولم يكن الوضع بهذا السوء، حيث كان يعمل المصنع وقتها بالأدخنة الرطبة ولم يكن تأثيرها مضرا إلى هذا الحد.
وتابع أنه منذ عام 1996 بدأت المأساة الحقيقية، حين باع عاطف عبيد المصنع بثمن بخس، 620 مليون جنيه، فى حين أنه يساوى أضعاف هذا المبلغ الذى لا يساوى حتى ثمن الأرض المقام عليها، التى تتجاوز مساحتها الـ33 فداناً لشركة «بلوسيركل» ثم شركة «لافارج» ثم إلى شركة «تيتان» وهى شركة يونانية، هدمت الأربعة أفران الموجودة وأقامت الفرن الخامس «سبب الكارثة» دون الحصول على ترخيص.
وأوضح أنه بالتزامن مع بناء الفرن الخامس صدر قرار من نائب الحاكم العسكرى بمنع إقامة أى مصنع ملوث للبيئة داخل المناطق السكنية، مع ضرورة أن تبعد هذه المصانع عن الكتلة السكنية مسافة 60 كم، وعلى من أنشأ مصنعا بعد هذا القرار أن ينقله على نفقته مع تعرضه للغرامة والحبس لمدة سنتين.
وتابع قائلاً «وحيث إن هذا المصنع أنشئ بعد صدور هذا القرار فلم يحصل على رخصة، وإنما ظل يستخدم رخصة المصنع القديم فضلا عن استيلاء أصحابه الجدد على مساحة من أراضى الدولة بلغت 20 م من شارع 30، وجزء من شارع السد العالى، مما أدى إلى تضييق الطريق الدولى.
وفيما يخص مشكلة التلوث، يقول هشام العقارى، أحد الأهالى، إن المصنع الخامس ينتج 5000 طن أسمنت يوميا، وينتج عنها عوادم «الباى باص» وهى مادة شديدة السموم، وتقدر كميتها بنحو 40 طنا يوميا، ومن المفترض أن يعاد تدوير هذه العوادم، ولكنها عملية تحتاج إلى تكنولوجيا عالية جدا غير موجودة بمصر، ولذلك فإن إدارة المصنع تلقيها منذ الساعة الثانية عشرة صباحاً إلى الثانية عشرة ظهراً، فيستيقظ سكان المنطقة على غبار الأسمنت الذى يغطى البالكونات والمنازل، من الداخل والخارج، وحتى الأطعمة واللحوم، وكراسات الطلبة وحقائبهم الدراسية.
وأضاف أن الأهالى رفعوا عدداً كبيراً من القضايا ضد مصنع الأسمنت منها القضية رقم 12632 لسنة 64 ق، التى أقامها أحد الأهالى ضد محافظ الإسكندرية، ورئيس حى العجمى، ووزير البيئة، ورئيس هيئة التنمية الصناعية، فما كان من هيئة البيئة إلا أن أغلقت المصنع لمدة شهر لتستغل الإدارة قرار الغلق فى إجراء إصلاحات ثم تعيد عمل المصنع بعدها.
الأهالى ناشدوا المسئولين قائلين إنه ليس من المعقول أن تظل مصر بعد الثورة تعانى من مثل هذه المشاكل، فى حين أن الدول الأوروبية احتفلت فى العام الماضى بنقل آخر مصنع أسمنت خارج أراضيها، وتكلفت مليارات الدولارات، من أجل الحفاظ على صحة شبابها وأطفالها.