منذ أن طُرح ما يسمى «مسودة الدستور كاملاً»، ونحن نسمع من قيادات الحرية والعدالة وبعض أعضاء اللجنة الدستورية رداً يكاد يكون الوحيد على ملاحظات واعتراضات القوى السياسية أو المثقفين أو حتى عامة الشعب على مواد المسودة وما تعكسه من مشكلات حقيقية من حيث غياب الرؤية والانتقاص الشديد من حقوق وحريات المصريين والمصريات مما يعد ردة ليس على الثورة فقط وإنما ردة على دستور 1971 الذى أسقطه المصريون والمصريات بثورتهم.
هذا الرد متمثل فى سؤال استنكارى، هو: لماذا لم تعترضوا على هذا أو ذاك أيام مبارك؟!!
أيضاً يمتد هذا السؤال العجيب عند معارضة إجراء تم اتخاذه أو توقع بإجراء لم يتم اتخاذه مثل مطالب العمال والفئات بحياة أفضل أو الاعتراض على مقترحات قوانين وزير العدل للطوارئ والحد من الحريات، أو قروض البنك الدولى وغيره وهو فى الحقيقة سؤال يعكس عدة أمور.
أولاً: المغالطة الكبيرة وعدم الاحترام لذاكرة المجتمع وإنكار للنضال ضد نظام مبارك وحجم التضحيات التى دفعها العديد من السياسيين من خارج التيار الإسلامى والحقوقيين الذين دفعوا أثماناً غالية وصلت للتضحية بحياتهم وحرياتهم وسمعتهم دفاعاً عن حقوق الناس ومنهم الإسلاميون.
ثانياً: لم يكن المجتمع المصرى جثة هامدة أمام جبروت مبارك ولم يكن السياسيون أو الحقوقيون أبداً صامتين تجاه الانتهاكات، ونتيجة للضغوط التى مارسها العديد من القوى الحية فى مصر حدثت تغييرات على عدة أصعدة، ولعبت الحركة الحقوقية دوراً كبيراً فى فضح انتهاكات حقوق الإنسان والحريات التى ارتكبها النظام على المستويين المحلى والدولى، بل إن الحملات الحقوقية خاصة حملات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنقذت بعض السياسيين الإسلاميين من الإعدام، منهم الآن فى اللجنة التأسيسية للدستور ينعم برأسه فوق كتفيه، ويجاهد من أجل حرمان الناس من حقوقهم والانقضاض على حرياتهم.
ثالثاً: إن حزب الحرية والعدالة يسير فى كثير من المواقف على نهج مبارك ويعيد تكرار ما تم ويتوقع قبول هذا الأمر دون سند أو مسوغ اللهم أن الوجوه تغيرت، ويعتقد أن ذلك كافٍ لأن يقبل الناس متجاهلين أو غير مدركين أن الثورات لا تقوم ضد وجوه أو أسماء وإنما ضد سياسات، وغير المتوقع أن يقبل المصريون بمجرد تغيير الوجوه مع بقاء نفس السياسات؛ لأنهم من قضوا على نظام مبارك وليس طيور أبابيل نزلت الميادين تمهد الطريق لحكم الإخوان.
رابعاً: مع الفرض أن البسطاء من الناس لم يتحركوا تجاه قضية ما خوفاً أو طمعاً، مما قتل الدافعية لدى الناس فى التفاعل والتحاور مع النظام، فكان البديل تحول طاقة الإحباط واليأس لدى الناس إلى قوة هائلة للتغيير كنا جميعاً فى غنى عنها إذا تم الانتقال الهادئ للديمقراطية والاستجابة لمطالب الناس وتطلعاتهم.
لذا يصبح السؤال لا محل له، بل خطر على سائله؛ لأنه يحمل فى طياته استنكاراً لحق الناس فى المعارضة والمطالبة بالأفضل والمتابعة والتقييم والتغيير، هنا يكون البديل للحوار والتفاعل والاستجابة دائما هو الثورة.