رغم العناوين الكثيرة التى حملها جدول أعمال قمة شرم الشيخ، يظل الأمن القومى بمخاطره وتحدياته فى مواجهة جماعات الإرهاب، العنوان الرئيسى لقمة فريدة من نوعها، شهدت حضوراً حاشداً ومشاركة على مستوى عالٍ، وتميزت بأداء مختلف عن قمم عديدة سابقة، يوكد إمكانية أن تجتمع الأمة على خير، وتتجاوز خلافاتها وانقساماتها ويرتفع فيها القادة إلى حدود مسئولياتهم التاريخية فى مواجهة ظروف عصيبة، بسبب موجة إرهاب عاتية لم يشهد التاريخ العربى والإسلامى مثيلاً لها، سيطرت فيها الجماعات المتطرّفة على مقدرات عدد من الدول العربية، ضاع أمنها واستقرارها، بينها العراق وسوريا وليبيا واليمن، وباتت خطراً داهماً يُهدد الجميع دون استثناء، لا فارق بين دولة بترولية غنية ودولة فقيرة ودولة كثيفة السكان وأخرى أقل زحاماً فى المشرق والمغرب، على حد سواء، وبلغت المأساة ذروتها بقيام دولة «داعش» على مساحة أربع محافظات عراقية وثلاث سورية تهدد الجميع، وتحاول أن تمد نفوذها إلى مصر وليبيا، وترتكب أبشع الجرائم باسم الإسلام، وتعلن عودة الخلافة من فوق منبر جامع الموصل الكبير، لتقبح صورة الإسلام فى العالم أجمع، بجرائمها الوحشية التى تقتطع رقاب الناس فى مشاهد مروّعة يتم إخراجها على نحو سينمائى بما يلقى الرعب فى نفوس الجميع، رغم ذلك لم تشهد قمة شرم الشيخ استقطاباً حاداً أو خلافات عديدة تهدد الأمة بالانقسام، ولم نلمس أثراً لسياسات المحاور التى أعاقت العمل العربى المشترك وأكلت مصداقيته.. على العكس شهدت نزوحاً عربياً شاملاً نحو التوافق والتضامن والتكامل، ورغبة صادقة فى أن يصبح العرب تكتلاً دولياً فاعلاً يقدر على صيانة الأمن القومى والدفاع على مصالح الأمة وإحساساً جديداً بضرورة الاعتماد على النفس دون انتظار عون الآخرين فى المهام الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومى العربى ومكافحة الإرهاب، بما يؤكد أن العرب قد استوعبوا الدرس، خصوصاً بعد فشل مجلس الأمن فى الاستجابة لمطالب مصرية عربية بضرورة تدخل المجتمع الدولى للمساعدة فى عودة الاستقرار إلى ليبيا ووقف هذه الفوضى الشاملة التى تنذر بحرب أهلية وإنقاذ البلاد من براثن جماعات متطرفة تفتح الأبواب على مصاريعها لتنظيم داعش.
ومع الأسف لم يملك المجتمع الدولى الإرادة السياسية الكافية لمساعدة ليبيا، وبدا واضحاً للجميع أن المعايير المزدوجة لا تزال تحكم مواقف الغرب والأمريكيين من قضايا الإرهاب، وأن هناك من يريدون أن تبقى جماعاته فزاعة لتهدّد الأمن العربى، وأن «داعش» فى العراق وسوريا منظمة إرهابية ينبغى تقويض قدراتها العسكرية والتنظيمية، بينما «داعش» الليبية طرف وطنى لا ينبغى استبعاده من الجهود الدولية لإنجاز مصالحة ليبية تضم كل الأطراف، رغم أن سيطرة «داعش» والجماعات المسلحة المتطرّفة على ليبيا تمثل تهديداً مباشراً لأمن دول شمال أفريقيا والبحر الأبيض والأمن الأوروبى!
وما من شك أن هذا الموقف هو العامل الرئيسى الذى دفع الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مطالبة العرب بتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، تنحصر مهامها فى أمرين اثنين، مساعدة أى دولة عربية فى حربها على الإرهاب، والاشتراك فى أى جهاد دفاعى جماعى عربى يستهدف سد أى عدوان خارجى، وعندما حظى الاقتراح المصرى بموافقة السعودية والأردن بات من الضرورى عرضه على قمة شرم الشيخ لتصبح القوة العربية المشتركة الرد الصحيح على تهديدات جماعات الإرهاب، وعلى إصرار الغرب والأمريكيين على استخدام المعايير المزدوجة فى قضية الإرهاب.
والغريب بالفعل أن ما حدث مع العرب حدث مع الأفارقة الذين لم يجدوا من الغرب والأمريكيين حماساً كافياً لتكتيل جهود المجتمع الدولى فى مساعدة الأفارقة على تقويض منظمة «بوكوحرام» الإرهابية، التى ترتكب فى نيجيريا وتشاد ومالى جرائم وحشية لا تقل فظاعة عن جرائم «داعش»، ولكن الأفارقة كانوا أسرع وأكثر حسماً من العرب عندما قرروا تشكيل قوة عسكرية مشتركة أفريقية مهمتها الوحيدة هى المساعدة على تقويض منظمة «بوكوحرام»، وتسهم فيها كل دولة أفريقية بكتيبة من جيشها، ووافق الأفارقة بالإجماع وبينها 9 دول عربية تقع فى أفريقيا، أكدت التزامها بتنفيذ القرار.
فى شرم الشيخ حدث شىء مماثل، ووافق وزراء الخارجية العرب فى اجتماعهم التحضيرى فى القمة من حيث المبادئ على مشروع قرار «مصرى سعودى أردنى» ينص على إنشاء قوة عسكرية مشتركة، أخذاً فى الاعتبار الملاحظات التى قدمتها الجزائر وتونس والعراق التى خلص معظمها فى أن تلتزم القوة بقواعد القانون الدولى وأن يكون الانضمام إليها اختياراً دون التزام، ويمتنع أن تكون طرفاً فى أى صراع سياسى داخلى، فلا علاقة لها بالشأن الداخلى فى أى دولة عربية، وإنما تستمد سلطتها من السلطة الشرعية للدولة المعنية، تأتى وتغادر بناءً على طلب هذه السلطة، وبسبب استجابة مصر والسعودية لملاحظات الدول الثلاث أسقطت الجزائر وتونس اعتراضاتها، بينما أثر العراق على موقفه لأسباب يسهل إدراكها!
والواضح للجميع أن الأزمة اليمنية التى تصاعدت بسبب محاولات الحوثيين الهجوم على مدينة عدن لإسقاط سلطة الرئيس اليمنية الذى هاجر إلى عدن بعد أن استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء، وبسبب إقامة الحوثيين عدداً من منصات الصواريخ متوسطة المدى على الحدود اليمنية تهدد أمن السعودية، خيمت على أجواء القمة العربية فى شرم الشيخ، وربما كانت سبباً مضافاً إلى جوار تهديدات جماعات الإرهاب، مما جعل العرب يوافقون على إنشاء القوة العربية المشتركة بهذا القدر الكبير من الإجماع ويساندون على نحو شامل جهود التحالف السعودى من أجل صون الشرعية الدستورية فى اليمن وإلزام الحوثيين بالانصياع للسلطة الشرعية المتمثلة فى الرئيس اليمنى «عبدربه»، والانسحاب من العاصمة صنعاء وكل المدن اليمنية وتسليم الأسلحة الثقيلة التى حصلوا عليها من معسكرات الجيش اليمنى.
وتشير مجريات الحرب فى اليمن إلى أن التحالف الذى يضم مصر والأردن والمغرب إلى جوار السعودية ودول الخليج، لا يزال تنحصر أعماله العسكرية على عمليات القصف الجوى لمواقع «داعش» التى حققت نتائج كبيرة، وأن الدور المصرى يتلخص فى مراقبة عدد من قطع الأسطول المصرى لباب المندب وشواطئ السعودية على البحر الأحمر لمنع أى عمليات تخريبية ولا يبدو أن هناك تدخلاً وشيكاً للقوات البرية، أملاً فى أن يرتدع الحوثيون ويقبلون الانسحاب من عدن وصنعاء والدخول فى مفاوضات تُعقد فى الرياض تحضرها كل الأطراف اليمنية للاتفاق على تنفيذ بنود المصالحة التى تتضمنها المبادرة الخليجية.