أيوه أنا ابنى "طفل احتياجات خاصة".. وأفتخر
الأمومة حلم يظل يراود الفتاة منذ صغرها، فهو غريزة زرعها الله فى قلب كل فتاة، تظل الأم تنتظر تلك اللحظة التى سترى فيها وليدها، وتدعو الله أن يأتيها سليماً معافى، لتبدأ معه مشواراً طويلاً فى التربية تتحمل فيه التعب والسهر والمشقة، أما هؤلاء اللاتى يهبهن الله أطفالاً بإعاقات ذهنية أو جسدية، فالعبء يتضاعف والهموم تزداد يوماً بعد يوم والخوف من الغد يملأ قلوبهن، لكنهن يتغلبن على كل ذلك بالحب الذى يملأهن تجاه أبنائهن وتظل طريقة تربيتهم ونظرة المجتمع إليهم هما التحدى الذى عليهن مواجهته بكل شجاعة.
واليوم يوافق اليوم العالمى لمرض التوحّد، الذى أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007، «الوطن» تنقل تجارب من الصبر والتحدى لأمهات تغلبن على إعاقة أبنائهن.
«غادة طوسون» لم ترَ يوماً عيباً فى إعاقة ابنتها، منذ أن ألقت عليها النظرة الأولى، ارتابت فى البداية فى ملامح طفلتها التى لم تبلغ من عمرها إلا يوماً ونصف اليوم، وحين استشارت طبيباً شهيراً بقصر العينى على ما يدور فى ذهنها، فأجابها «أهو انتِ اللى سألتى علشان ماترجعيش تزعلى»، لم تتحمل الصدمة فى البداية وفقدت وعيها ووقعت مغشياً عليها، هكذا بدأت قصتها منذ 16 عاماً، هى عمر ابنتها ذات الاحتياجات الخاصة، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها مرة أخرى..[ThirdImage]
منذ علمت الأم أن ابنتها «لوجين» طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة، تغير مجرى حياتها تماماً، سافرت لزوجها الذى كان يعمل بإحدى البلاد العربية، وبدأت تأخذ دورات تدريبية مكثفة خلال شهرين قبل السفر، تشمل كل ما تحتاجه طفلتها فى غضون سنة، من علاج طبيعى وتخاطب وقدرات إدراكية وذاتية وتركيز..[FirstQuote]
تحبس دموعها، حين تذكّرت أصعب لحظة مرت بها فى حياتها، عندما أُجريت عملية جراحية «قلب مفتوح» لـ«لوجين» فى الرابعة من عمرها، حيث كانت تعانى من ثقب فى القلب، تصف ساعات الانتظار خارج غرفة العمليات «كانت أصعب 6 ساعات فى حياتى».
تحديات واجهت «طوسون»، بدايةً من اجتيازها كل الدورات الخاصة بتأهيل الأمهات، والخاصة بالمتخصصين أيضاً، ونجحت فى استغلال قانون يسمح للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة بأن يلتحقوا بامتحانات بالنظام الأمريكى، الذى لا يحتوى على أسئلة مقالية، كما أنها استطاعت أن تساعد ابنتها «لوجين» فى أن تحصل على أصدقاء أسوياء لها داخل المدرسة، فكانت كل عام دراسى جديد، تقيم حفلاً داخل المدرسة تتحمّل نفقته بالكامل.
ومن أهم المشاكل التى واجهت الأم أن قانون دمج الأطفال يمنع التحاقهم بنظام الثانوى الفنى، وهو إحدى الثغرات الموجودة فى القانون: «أنا أم وعارفة قدرات بنتى، ليه تدرس فيزياء وفلسفة»، هكذا تقول الأم.
كأى طفلة فى عمرها مرضت «مريم» ذات العام ونصف العام، ارتفعت درجة حرارتها، فذهب بها والداها للطبيب الذى أعطاها الدواء المناسب من وجهة نظره، أيام تمضى حتى تكتشف «سميرة» أن ابنتها لا تتفاعل مع الأصوات كبقية الأطفال، لتصيبها صدمة عندما علمت أن الدواء الذى وصفه لها الطبيب كان خطأً وأدى إلى موت عصب الأذن الوسطى، لتتحول ابنتها من طفلة سليمة إلى أخرى مصابة بالصمم.[SecondImage]
لم تستسلم والدة «مريم» للوضع الذى وجدت نفسها مرغمة عليه، بل إنها قرّرت أن تكون مع ابنتها جنباً إلى جنب حتى تجعل منها إنسانة طبيعية تستطيع التعايش مع من حولها، وفى أثناء ذلك قابلت مشاكل كثيرة، وتعرّضت لمواقف صعبة كان أشدها صعوبة تلك التى تتعلق بحالة طفلتها النفسية، حيث إنها لم تكن فى البداية تستطيع التوافق بسهولة مع من حولها، بل إنها كانت تخاف الناس لدرجة أنه إذا لمس أحد حقيبتها بالخطأ أثناء عبوره بجانبها تشعر بضيق شديد وتعتقد أنه يحاول مضايقتها، وإذا رأت مجموعة يقفون ويتسامرون معاً ويتضاحكون أمامها تظن أنهم يستهزئون بها.
«سميرة» لم تترك ابنتها تستسلم لهذه الحالة الانطوائية، بل شجّعتها على ممارسة الرياضة، حتى إن «مريم» حصلت على المركز الثانى فى بطولة ألعاب قوى الجرى وهى فى العاشرة من عمرها، ثم فازت بذهبية الجمهورية لتنس الطاولة وبطولة العرب فى التنس الأرضى لعام 2014/ 2015، ولم يجعلها هذا تهمل دراستها، بل على العكس اجتازت المرحلة الابتدائية بمجموع 99%، تقول والدة «مريم»: «بنتى عندها قدرة أكثر من الطبيعيين، وهى الآن ليست منغلقة، بل مرحة وتحب الآخرين وتعشق الألوان وتنسيقها حتى إنها هى التى تختار لى ألوان ملابسى»..
كان «مصطفى» طفلاً ذكياً وموهوباً بين عائلته، تتطور مهاراته بسرعة بالغة، لكن فجأة ودون سابق إنذار تراجعت هذه القدرات يوماً بعد الآخر، وبعد رحلة طويلة مع الأطباء اكتشفت والدته «مها» أنه يعانى من مرض التوحد، فبدأت رحلة العلاج فى إنجلترا، حيث إن جدته لوالده إنجليزية الأصل، حيث تطلب العلاج بقاءهم هناك، ويدخل هو مدرسة تأهيلية داخلية، رفضت «مها» مؤكدة أنها تريد أن تعيش فى مصر، فعادت مع ابنها دون حتى برنامج تأهيلى.
«مها» وضعت كل تركيزها على القراءة والبحث عن المرض، وعن كيفية تأهيل المصابين به وبرامج العلاج، وزارت العديد من الأطباء لتفهم منهم ماهية هذا المرض وما يشعر به ابنها ومدى استجابة حواسه، تقول الأم: «أنا فاكرة ساعتها فضلت أعيط.. أخيراً عرفت مصطفى حاسس بإيه»، من يومها استطاعت «مها» التعامل مع «مصطفى» وأطفال آخرين بالشكل الصحيح، فقد رفضت أن تحتفظ لنفسها بتلك المعلومات التى حصلت عليها عن المرض، بل أنشأت أول جمعية لذى الإعاقة، وقادت أول حملة للتوعية «بالتوحد» فى 2005.