في شهر أكتوبر 2023م، ورداً على عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركات المقاومة الفلسطينية على منطقة غلاف غزة، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بشن غارات جوية وهجمات وحشية على كامل مناطق القطاع. ولم تستثن هذه الهجمات المستشفيات الرئيسية في القطاع، وعلى رأسها مستشفى الشفاء والمستشفى الأهلي المعمداني والمستشفى الإندونيسي ومستشفى الرنتيسي، بمزاعم واهية أن هذه المستشفيات تقع تحتها أنفاق عسكرية تأوي مقاتلي حركة حماس. بل إن المزاعم الإسرائيلية قد ذهبت إلى حد القول إن مركز القيادة الرئيسي لحركة حماس يقع تحت مستشفى الشفاء، مبررة بذلك قيامها بحصار المستشفى وقطع الوقود عنه، الأمر الذي أدي إلى توقف المولد الرئيسي للكهرباء بالمستشفى عن العمل. وعلى إثر ذلك، نقلت وسائل الإعلام العربية والأجنبية عن مسؤول بالأمم المتحدة قوله إن الجهود جارية للتخطيط لإخلاء مستشفى الشفاء في شمال غزة، والذي دخلته القوات الإسرائيلية بعد حصار دام أياماً. وأضاف المسؤول الأممي أن نقل بعض المرضى إلى مصر من الخيارات المطروحة.
وبالنظر إلى أن هذه الأفعال قد تزامنت مع حديث إسرائيلي رسمي وسياسي واسع عن الرغبة في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ثم تطور الأمر إلى الحديث عن استضافة كل دولة من دول العالم المختلفة، ولاسيما الدول المدافعة عن القضية الفلسطينية، عشرة آلاف من المواطنين الفلسطينيين على أراضيها، لذا فقد ظهرت الخشية من أن يكون السبب وراء استهداف المستشفيات هو رغبة إسرائيلية دفينة في جعل قطاع غزة غير قابل للحياة، توطئة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وإزاء ذلك، وفي يوم الخميس الموافق السادس عشر من شهر نوفمبر 2023م، وفي تصريح منسوب إلى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد الوزير أن جهود تقديم الإغاثة الطبية للفلسطينيين من قطاع غزة يجب أن تتركز داخل القطاع الساحلي المحاصر. وقال شكري في لقاء مع المراسلين الأجانب والعرب بالقاهرة إنه يتعين التركيز على إنشاء مرافق طبية داخل غزة، لتكون في متناول الفلسطينيين المحتاجين لمساعدة طبية. وقال شكري إنه إذا توافرت القدرة على رعاية هؤلاء الأشخاص في مستشفى الشفاء، فإن الحكومة المصرية لن تتردد. وأشار الوزير المصري إلى أنه لا حقيقة على الإطلاق ولا إمكانية لأي شكل من أشكال تهجير الفلسطينيين خارج وطنهم «موقعهم الحالي». ودأبت مصر على القول إنها ترفض أي نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة حيث أدت الحملة العسكرية الإسرائيلية هناك لنزوح مئات الآلاف باتجاه جنوب القطاع بينما تتفاقم الأزمة الإنسانية.
وجدير بالذكر في هذا الصدد أن الدولة المصرية استقبلت أعداداً محدودة ممن تم إجلاؤهم طبياً من قطاع غزة، ونُقل معظمهم لمستشفيات مصرية لتلقي العلاج. وأعدت الحكومة المصرية مستشفى ميدانياً في الشيخ زويد على بعد 15 كيلومتراً من معبر رفح لعلاج من تم إجلاؤهم من غزة. كما نُقلت إلى تركيا مجموعة من مرضى السرطان الذين عبروا إلى مصر من غزة. وفي يوم الأربعاء الموافق الخامس والعشرين من شهر أكتوبر 2023م، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انضمام فرنسا إلى جهود الإغاثة الإنسانية لقطاع غزة، من خلال إرسال إحدى سفن القوات البحرية إلى شرق البحر المتوسط، لدعم مستشفيات غزة، مضيفاً أن طائرة تحمل مستلزمات طبية مخصصة للقطاع ستصل كذلك إلى مصر. وبناء على ذلك، أبحرت سفينة «تونير» من ميناء تولون، متجهة إلى شواطئ قطاع غزة، علماً بأن هذه السفينة التابعة للبحرية الفرنسية تضم مستشفى يتألف من حوالي عشرين قسما، بما في ذلك غرفتي عمليات يمكنهما العمل في وقت واحد مع 7 أسرة للعناية المركزة، خاصة بغرفتي العمليات، وغرفة أشعة سينية مع ماسح ضوئي و69 سريراً، بما في ذلك 50 سريراً للعناية المركزة. كما يمكن للسفينة المسماة (PHA) استيعاب 16 طائرة هليكوبتر. ويبلغ طول السفينة التي تتخذ شكل مستشفى عائماً، 199 متراً، بما يمكنها من تفريغ ونقل المعدات والأشخاص عبر المروحيات التي يمكن أن تهبط على سطحها. وفي الثالث من شهر نوفمبر 2023م، قال السفير الإسرائيلي لدى ألمانيا إن إسرائيل طلبت من دول أجنبية إرسال مستشفيات عائمة لتقديم المساعدة في علاج الجرحى الفلسطينيين الذين يُسمح لهم بمغادرة قطاع غزة إلى مصر.
ومن جانبها، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن مبادرتها لاستضافة حوالي 1000 طفل فلسطيني من قطاع غزة برفقة ذويهم لتوفير العلاج الطبي لهم والرعاية في مستشفيات الدولة. كذلك، وفي يوم الاثنين الموافق السادس من شهر نوفمبر 2023م، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة مستشفى ميداني إماراتي متكامل داخل قطاع غزة لتقديم الدعم الطبي اللازم إلى الأشقاء الفلسطينيين في القطاع، وذلك ضمن عملية "الفارس الشهم 3" الإنسانية. وبالفعل، وفي يوم الثلاثاء الموافق السابع من شهر نوفمبر 2023م، انطلقت من مطار أبو ظبي الدولي خمس طائرات تحمل جميع المعدات والمتطلبات اللازمة لإقامة المستشفى الميداني وتشغيله، حيث ستفرغ حمولتها في مطار العريش في جمهورية مصر العربية الشقيقة، تمهيداً لنقلها إلى داخل قطاع غزة. ويضم المستشفى الميداني الإماراتي، الذي تبلغ سعته 150 سريراً وسيجري تنفيذه على عدة مراحل، أقسام الجراحة العامة وجراحة العظام والأطفال والنساء، والتخدير وعناية حثيثة للأطفال والبالغين، بجانب عيادات في تخصصات الباطنية، والأسنان وعيادة نفسية، وطب العائلة إضافة إلى خدمات الأشعة المقطعية، ومختبر وصيدلية والخدمات الطبية المساندة.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المادة التاسعة والأربعين من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن «يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه. ومع ذلك، يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. ولا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع. وعلى دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات النقل أو الإخلاء هذه أن تتحقق إلى أقصى حد ممكن من توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، ومن أن الانتقالات تجري في ظروف مرضية من وجهة السلامة والشروط الصحية والأمن والتغذية، ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة. ويجب إخطار الدولة الحامية بعمليات النقل والإخلاء بمجرد حدوثها. لا يجوز لدولة الاحتلال أن تحجز الأشخاص المحميين في منطقة معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب، إلا إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها».
وبدورها، تنص المادة السابعة عشرة من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف تتضمن بشكل واضح وصريح «حظر الترحيل القسري للمدنيين»، بنصها على أن «1- لا يجوز الأمر بترحيل السكان المدنيين، لأسباب تتصل بالنزاع، ما لم يتطلب ذلك أمن الأشخاص المدنيين المعنيين أو أسباب عسكرية ملحة. وإذا ما اقتضت الظروف إجراء مثل هذا الترحيل، يجب اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لاستقبال السكان المدنيين في ظروف مرضية من حيث المأوى والأوضاع الصحية الوقائية والعلاجية والسلامة والتغذية. 2- لا يجوز إرغام الأفراد المدنيين على النزوح عن أراضيهم لأسباب تتصل بالنزاع». وقد وردت هذه المادة سابقة مباشرة على المادة الثامنة عشرة، الموسومة «جمعيات الغوث وأعمال الغوث»، والتي تنص على أن «1- يجوز لجمعيات الغوث الكائنة في إقليم الطرف السامي المتعاقد مثل جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين، أن تعرض خدماتها لأداء مهامها المتعارف عليها فيما يتعلق بضحايا النزاع المسلح. ويمكن للسكان المدنيين، ولو بناءً على مبادرتهم الخاصة، أن يعرضوا القيام بتجميع الجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار ورعايتهم. 2- تبذل أعمال الغوث ذات الطابع الإنساني والحيادي البحت وغير القائمة على أي تمييز مجحف، لصالح السكان المدنيين بموافقة الطرف السامي المتعاقد المعني، وذلك حين يعاني السكان المدنيون من الحرمان الشديد بسبب نقص المدد الجوهري لبقائهم كالأغذية والمواد الطبية».