د. ولاء جاد الكريم يكتب: «ريف مصر».. من «الهامش» إلى «المتن»
د. ولاء جاد الكريم
فى منتصف يوليو 2021، وقّع الرئيس عبدالفتاح السيسى وثيقة تنفيذ برنامج «حياة كريمة»، وأعطى إشارة البدء لانتقال 58 مليون مصرى من هامش صفحة الوطن إلى «متنها»، وأعلن بداية النهاية لميزان تنمية مختل، انحاز لعقود إلى صالح أهل الحضر، على حساب أهل الريف، وإلى أصحاب «الياقات» على حساب أصحاب «الجلاليب»، وظنى أن القيادة كانت حاضرة فى ذهنها حتمية تغيير تلك الصورة القاتمة التى جسّدتها روائع الأدب المصرى منذ رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل (1913) حتى رواية طبيب أرياف لمحمد المنسى قنديل (2020)، مروراً بيوميات نائب فى الأرياف لتوفيق الحكيم (1937)، وأيقونة عبدالرحمن الشرقاوى «الأرض» 1954.
«حياة كريمة» هى الحلم الأكبر الذى يستهدف تطوير 4500 قرية تطويراً شاملاً، والأحلام الكبيرة يلزم لتحقيقها إرادة سياسية راسخة، وجهود جبارة ومنسّقة وقادرة على تجاوز التحديات، ومخصّصات مالية تليق بقيمة وحجم الحلم، ولأن كل هذه العوامل متوافرة، فإن «حياة كريمة» هى مشروع القرن الواحد والعشرين لمصر، تماماً كما كانت قناة السويس مشروع القرن الـ19، والسد العالى مشروع القرن العشرين، فنحن إزاء مبادرة سيزيد حجم تمويل مراحلها الثلاث على 50 مليار دولار، ونطاقها البشرى المستهدف على 53% من سكان مصر، ومستهدفاتها القطاعية تشمل جميع مرافق البنية الأساسية وخدمات التنمية الاجتماعية ودعائم التنمية الاقتصادية، وشركاء تنفيذها هم كل وزارات وهيئات الدولة المصرية ومجتمعها المدنى.
ونحن مع بداية عام جديد، وعلى مسافة 30 شهراً من التكليف الرئاسى، ورغم ما واجهته مصر والعالم من أزمات غير مسبوقة مالياً واقتصادياً وموجات تضخمية لم يشهدها العالم منذ عقود، فإن المرحلة الأولى للمبادرة الرئاسية الطموحة استطاعت تحقيق إنجازات وقطع خطوات تُقرّبنا كثيراً من إدراك الحلم.
ففى إطار المرحلة الجارية التى بدأت فى يوليو 2021 وتستهدف 1477 قرية يعيش فيها 18 مليون مصرى فى 20 محافظة تم الانتهاء من تنفيذ نحو 15 ألف مشروع تمثل نحو 55% من إجمالى المشروعات المستهدَفة، وجارٍ تنفيذ نحو 12 ألف مشروع بنسب تنفيذ تزيد على 75%، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمرحلة الجارية من المبادرة نحو 400 مليار جنيه.
طبيعة المشروعات التى يتم تنفيذها فى إطار «حياة كريمة» تركز على إحداث تطوير شامل ومستدام فى جميع مناحى الحياة بالريف المصرى، فهى تشمل تغطية القرى بخدمات الصرف الصحى المتكامل وخدمات الغاز الطبيعى، والتحسين الشامل لخدمات مياه الشرب وتوزيع الكهرباء والاتصالات والطرق الرئيسية، بالإضافة إلى تطوير جوهرى وجذرى لمنظومة الإمداد بالمرافق والخدمات الصحية والتعليمية والشبابية والرياضية، والخدمات الموجّهة للمرأة والطفل وذوى الهمم، فضلاً عن مرافق تقديم الخدمات الإجرائية والزراعية، وهى مشروعات تتكامل معاً لتُلبى فى النهاية المطلب الذى أكده السيد رئيس الجمهورية بتعبير جامع، وهو أن تصبح القرية المصرية «زى ما الكتاب بيقول».
بتوفيق الله، ثم بفضل رؤية وعزم القيادة، وتصميم ومتابعة الحكومة، وتفانى وجهود جهات التنفيذ، وصبر ودعم مواطنى ريف مصر، استطاعت مبادرة «حياة كريمة» فى مرحلتها الأولى أن تعبر من «عنق زجاجة» فرضته جائحة صحية جعلت اقتصاد العالم يترنّح، قبل أن تعقبها نزاعات إقليمية وحروب ساخنة قوّضت قدرة الكثير من الدول على الصعود والتعافى، ورغم ما أصاب مصر من «شظايا» وتأثيرات نتيجة هذه الأزمات العابرة للحدود، فإن المرحلة الأولى من المبادرة استمرت وأنجزت معظم الطريق نحو إدراك الحلم، ولم يتبقَّ سوى القليل الذى سنقطعه إن شاء الله خلال الشهور الأولى من العام الجديد، ونبدأ فى تنفيذ المرحلة الثانية بعقول استوعبت الدروس، وسواعد اعتادت التحدى، وقلوب يملأها اليقين فى الله، والإيمان بالوطن، والثقة فى القدرة على التغيير.
مدير الوحدة المركزية لمبادرة «حياة كريمة» بوزارة التنمية المحلية