"ضرب الحبيب".. أحياناً يؤدى إلى "عاهة مستديمة"
تظل السيدات هن الأقدر على مواجهة الظروف وتحدى كل الصعوبات، لكن أكثرهن قوة هن اللاتى تعرضن للعنف وقررن تجاوزه، وطوين صفحات الماضى وبدأن حياة جديدة خالية من الصدمات.
أشهر طويلة من العلاج الجسدى، ومثلها أو يفوق للعلاج النفسى حتى تسترد المرأة حياتها وكرامتها بعدما تعرضت للعنف على يد زوجها، ميرفت واحدة ممن تعرضن للضرب المبرح، بل وكاد يسبب لها عاهة مستديمة، تتذكر قبلها كيف تعرفت عليه وكيف حلمت بحياة هادئة معه، تقول: «كان شغال سواق توك توك.. وأنا كنت بشتغل مشرفة فى حضانة أطفال، واتعرفت عليه واتقدملى»، الخداع والكذب كان بداية الرحلة، إذ أوهمها زوجها أن لديه شقة مستقله به، وأوهم أسرتها بذلك، هنا بدأت مراسم الاحتفال بالزواج إلى أن فوجئت العروس فى أول أيامها الزوجية بوجود شركاء لها فى البيت المكون من غرفتين وصالة، هم أفراد عائلته، أمه وإخوته، لم يكن أمامها طريق سوى الخضوع للحياة الجديدة التى تمنت أن تتغير يوماً، ظناً منها أن توسلها لزوجها بالسعى للسكن فى شقة منفصلة سيحدث فى وقت قريب، سنوات مرت عليهما أنجبا خلالها ولدين وبنتاً، لم تكن حياة هادئة إذ تخللتها خلافات عائلية دائمة وتدخلات مستمرة من أخت الزوج وأمه، بلغت حد تكسيرهما كل ما يتعلق بها فى البيت، انتقلت على أثر تلك الخناقة إلى بيت صغير استأجره الزوج رغماً عنه، أيام طويلة من الحياة الفقيرة عاشتها ميرفت دفعتها للخروج إلى العمل، فى الوقت الذى لا يسعى الزوج فيه للنهوض بأسرته وأولاده، إذ كان ينام أياماً طويلة ولا يهتم بالعمل ولا يفكر فى توفير نفقات أولاده، وهو ما دفع الزوجة للتحدث إلى زوجها مراراً بضرورة العمل حتى يتمكنا من توفير نفقات الأولاد، ليأتيها الرد مفجعاً ما بين لكمات وطعنات تلقتها من زوجها وسباب وإهانة مستمرة انتهت بكسر فكها العلوى واعوجاج فى الفم، نقلت على أثرها إلى المستشفى، وطلبت من أهلها رفع قضية خلع، لكن أهلها ضغطوا عليها للاستمرار فى الزواج من أجل أبنائها، أشهر قليلة وعاد الزوج إلى عنفه، لكن ضربه فى تلك المرة بات مصحوباً بتهديده بالقتل ورميها من الدور السابع، الخوف الذى ألم بها، وشعورها بأنه من السهل فعل ما توعد به دفعها إلى الهرب إلى بيت أهلها ومطالبتها بخلعه حتى لا يحدث لها مثلما حدث من قبل، تقول ميرفت: «بعد ما كسر لى فكى العلوى رجعت وأنا مش طايقة أتعامل معاه وأجبرنى على المعاشرة لدرجة أنه كتم لى نفسى وكنت هموت من بشاعة الإحساس اللى حسيته»، تلك الواقعة كانت فارقة فى حياتها، إذ قررت ألا تبقى فى بيته وتنهى علاقتها به إلى الأبد، إلى أن حصلت على حكم المحكمة بخلعه، لتسترد أنفاسها من جديد وتطوى صفحات الماضى، وتهتم بدراسة أبنائها إلى أن أصبح طفلها فى المرتبة الخامسة على المدرسة فى تقديرات التيرم الأول وبنتها تحسنت درجاتها عن ذى قبل.
نها عادل واجهت العنف بصورة مختلفة، إذ رزقها الله بزوج يداه باطشتان، كثيراً ما كان يعنفها ويضربها على وجهها يميناً ويساراً، تقول نها: «اتجوزت فى بيت عائلة على أمل إنه يقدر يجيب لى شقة أو أوضة وحمام منفصلين عن عائلته، ومرت الأيام ومفيش أى تغيير حصل لنا»، قررت نها أن تتحدث إلى زوجها بضرورة السعى للانتقال فى مكان منفصل، لكنه بادرها بالضرب كعادته، وهو ما دفعها للهروب من بيته والعودة إلى بيت أبيها، لتكتشف أنها حملت منه فى أنثى، وهنا حاولت العودة لكن شيئاً لم يتغير وزاد عنفه وإهماله لبيته ومسئولياته التى يجب عليه عملها، قررت نها الذهاب إلى بيت أبيها ورفع دعوى للخلع إلى أن حصلت على حريتها وظلت وحدها ترعى صغيرتها دون أن يسأل عليها أحد. قصص الزوجات اللاتى تعرضن للعنف لم تنته ورحلتهن فى الشفاء من الآلام النفسية قبل الجسدية طويلة، إحداهن تعرضت لأزمة كبيرة حين أرغمها زوجها على المعاشرة ومع استمرار رفضها ظل يضربها إلى أن وقعت مغشياً عليها ليفعل ما يريد دون الالتفات إلى ما وصلت إليه زوجته، وهو ما عرضها لحالة إعياء شديدة، قررت بعدها رفع دعوى طلاق للضرر، لكن الأزمة الكبيرة التى تواجه الزوجات فى تلك الحالة، بحسب ما قالته فاطمة صلاح عبدالخالق، مسئول الوحدة القانونية فى مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، أن إثبات طلاق الضرر يستغرق وقتاً أطول فى ساحات المحاكم، ويحتاج إلى إثبات الضرر الواقع عليهن، وهو ما قد يصعب إثباته مع بعض الحالات المتضررة، فى حين أن الخلع يكون الأيسر ولا تلجأ إليه السيدات إلا بعد تعرضهن لحالات عنف أسرى كبيرة ووصولهن إلى درجة الكره لذلك الزوج الذى عرضها للأذى، تقول إن أغلب السيدات اللاتى يتعرضن للعنف جئن إلى المركز بحالة يرثى لها ووجه ملىء بالكدمات ومتورم من شدة ما تعرضن له، وحين قرر المركز مساعدتهن فوجئنا بضرورة إحضار شهود لإثبات أن زوجها هو من تسبب لها فى كل ذلك وتلك الإجراءات تدفعهن لرفع قضية خلع وليس طلاق للضرر.