غابت "الكتاتيب".. فحضر "الجهل"
12:05 م | الثلاثاء 21 أبريل 2015
بعد عصر كانت فيه لـ«الكتاتيب» مهابة ومكانة علمية، وكانت العائلات تتفاخر بإرسال أبنائها لحفظ القرآن فيها، يتخرجون رواداً وعلماء فى مختلف المجالات، تراجع دور «الكتاتيب» بمرور الوقت بسبب الإهمال وضعف الإقبال عليها، وأصبح وجودها مقصوراً على القرى فقط، وفى فترة الإجازة الصيفية، وليس طوال العام، وأصبح دورها مساعداً وليس أساسياً فى تحفيظ القرآن، خاصة مع ظهور بدائل أخرى، مثل دور التحفيظ والمدارس القرآنية، وغيرها من أنشطة تحفيظ القرآن بالحضانات والمدارس، لكن الأزمة الكبرى أن كثيراً من هذه الكتاتيب خاضع لسيطرة الإخوان والسلفيين، ما يجعلها ميداناً فسيحاً لزراعة الأفكار المتطرفة، فى غياب الأزهر والأوقاف.
فى المنيا، وعلى مدار عقود، ظلت «كتاتيب سيدنا الشيخ»، تُخرج أجيالاً من الأطفال يحفظون القرآن الكريم، ويتعلمون اللغة العربية بكل فروعها والرياضيات، ثم اختفت تلك الظاهرة التراثية تدريجياً لتظهر بدلاً منها «مدارس تحفيظ القرآن» الملحقة بالجمعيات الشرعية وعدد من الجمعيات الأهلية، أو حلقات القرآن بالمساجد، التى تخضع لإشراف مديريات الأوقاف.
الشيخ خلف والشيخ محمود والشيخ الحميلى جميعهم من أساتذة الأزهر الأجلاء، كانوا يستيقظون فجراً ويتوجهون إلى المعاهد الأزهرية لتعليم الأطفال أصول الدين، وفى فترة الظهيرة كانت كتاتيبهم تستقبل مئات الأطفال من أبناء قرية زهرة، ويقول عمران عمر «بقال»: كانت أيام مش هتتعوض، بـ50 قرشاً فقط شهرياً كنت أحفظ القرآن الكريم، وأتعلم اللغة العربية والنحو والصرف على اللوح الخشبى، والحساب وجدول الضرب فى كُتاب سيدنا الشيخ محمود كفافى، من 15 سنة». وبعد وفاة الشيخ «محمود» أُغلق الكُتاب بلا عودة، ويكمل «البقال»: «ذهبت لأكمل حفظ القرآن فى كُتاب آخر عند الشيخ الحميلى، حتى توفى وأُغلق كُتابه، وفجأة اختفت الكتاتيب من القرية، رغم أنها خرّجت أجيالاً كثيرة، وكان خريجو الكتاتيب متفوقين فى مدارسهم لأنهم كانوا يتعلمون القراءة والكتابة والحساب، فضلاً عن حفظ القرآن منذ نعومة أظافرهم، وحتى المرحلة الثانوية».[SecondImage]
وفى قرية إطسا التابعة لمركز سمالوط، تعرف القرية بأنها «بلدة حفظة القرآن»، وذاع صيتها فى انتشار «الكتاتيب» قبل عقود، وكان مشايخ الأزهر من أبناء القرية يعلمون الأطفال منذ الصغر حفظ القرآن الكريم بقواعده وقراءاته المتعددة، وفجأة تبدل الحال بعد وفاة معظم مشايخ الأزهر القدامى وعدم اهتمام الأجيال الشابة من خريجى الأزهر بفتح الكتاتيب لتعليم الصغار، ويقول عزت محمد «مدرس» بقرية إطسا إن الكتاتيب اختفت بشكل تام بالقرية وظهرت بدلاً منها مدارس لتحفيظ القرآن تعقد بالجمعيات الأهلية والشرعية، ويتم تحفيظ القرآن لجميع الأعمار مقابل دفع مقابل رمزى شهرياً، وأغلب المهتمين بإنشاء هذه المدارس هم السلفيون.
وقال مجدى رسلان، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الشبان المسلمين بالمنيا، إن السلفيين يسيطرون على الكتاتيب بمعظم قرى المحافظة، وأرجع سبب ذلك إلى عدم توافر الإمكانيات لإنشاء مدارس لتحفيظ القرآن، لافتاً إلى أن وزارة التعليم ترفض السماح بفتح فصول تحفيظ بمدارسها عقب انتهاء اليوم الدراسى، ما يدفع أهالى القرى إلى اللجوء إلى المساجد لتحفيظ القرآن لأبنائهم، وهناك نجد الشباب السلفى يسيطر على زمام الأمور ويستغل ذلك لنشر أفكاره الوهابية فى ظل غفلة ولامبالاة من مشايخ الأوقاف والأزهر.[FirstQuote]
وأرجع الدكتور شلبى محمد زكى، نائب مدير إدارة الدعوة بمديرية أوقاف المنيا، سبب تراجع الكتاتيب واندثارها إلى عدم الاهتمام بها من قبل الأزهر، مقارنة بالسنوات الماضية، مضيفاً أن الكتاتيب خرجت أفضل الشخصيات والعلماء فى شتى المجالات، ومنهم من احتل مناصب مرموقة لأن التعليم فيها كان يتم بشكل جيد. ويؤكد الشيخ محمود أبوحطب، وكيل وزارة الأوقاف بالمنيا أن هناك مساعى لإنشاء ما يُعرف بـ«الكتاتيب العصرية»، وأضاف أنه رفع مذكرة للوزارة لتفعيل ذلك المقترح، وقال إن «كتاتيب الماضى كانت تُعلم وتُحفظ القرآن بالضرب، ما يشعر الطالب بحالة من الكبت والضيق، أما الكتاتيب العصرية فدورها تحفيظ القرآن مع شرح وتفسير آياته دون التلقين فقط، فعندما يمر المحفظ مثلاً على آيات يُذكر فيها قتال يوضح المحفظ للطلاب أن المقصود بالقتال هنا صد العدوان».[SecondQuote]
وكغيرها من محافظات الوجه البحرى والدلتا، التى كانت مشهورة بـ«الكتاتيب»، تشهد القليوبية حالياً اندثاراً لـ«الكتاتيت» فى المدن والقرى، وظهور «دار التحفيظ» التى غالباً ما تسيطر عليها جماعات لها بُعد سياسى، خاصة فى ظل انحياز أولياء الأمور للنظم الحديثة فى التعليم التى تركز على اللغات وعلوم العصر، وتحولت «الكتاتيب» من حلقات التحفيظ داخل منازل المشايخ إلى حصة قصيرة بالحضانات الحديثة، التى تتخذ من تحفيظ القران نوعاً من الدعاية لجذب شريحة من أطفال العائلات الحريصة على تحفيظ أبنائها القرآن الكريم.
ورغم ذلك لا تزال هناك قلة من «الكتاتيب» فى مساجد بعض القرى، تحافظ على عادة تحفيظ القرآن على يد شيخ المسجد أو الزاوية، ويقول محمد فؤاد، مُحفظ قرآن، إن القائمين على التحفيظ يعانون اشد أنواع الإهمال فمكافآتهم ضئيلة وتتطلب إعادة النظر فيها ورفعها ومساواتهم بأمثالهم فى الأوقاف والمعاهد الأزهرية، مع تطوير الكتاب وحلقات التحفيظ لتعود إلى سيرتها الأولى وجذب الأطفال من خلال شيخ عصرى ومكاتب حديثة تواجه التيار المتدفق لإلحاق الأطفال بمدارس اللغات والتجريبيات والحضانات التى تعتمد على دراسة اللغات.
ويؤكد محمود سعيد، موظف من بنها، أن ارتفاع الرسوم الشهرية لمكاتب تحفيظ القرآن والدور الجديدة التى تديرها جمعيات وجهات إسلامية، سبب تدهور الأحوال وعزوف المواطنين عن إلحاق أبنائهم بها بعد أن اختفت الكتاتيب البسيطة التى كانت منارات للعلم يديرها من يطلق عليه «سيدنا» بقليل القليل سواء من المال أو النفحات أو الهبات، أو حتى بمكافأة العائلات الكبرى فى آخر مراحل التحفيظ، وهى كلها أشياء انقرضت.
ويحذر سامى عبدالوهاب، عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة وأحد أهالى مدينة بنها، من سيطرة السلفيين على البقية المتبقية من الكتاتيب وإدارتها فى شكلها الجديد، وهى «دار تحفيظ القرآن» التى تعتمد على المعلمات المنتقبات وبعض المحفظين الملتحين، انتشرت بشكل كبير مؤخراً وتستغل عملها فى «الدور» وتحفيظ القرآن فى الترويج للأفكار المتطرفة أو الدعوة لفصيل سياسى معين.
ويقدم الشيخ محمود عبدالرازق، من أئمة الأوقاف، بعض التوصيات لطريقة عمل «الكتاتيب» مع مراعاة تطور العصر، ويوضح أن تطوير حلقات التحفيظ يجب أن يبدأ بإعداد المحفظين من خلال دورات تدريبية ليكونوا قدوة للتلاميذ، والاعتماد على طريقة «حفظ اللوح» وتسميعه، وهى أنسب الطرق لحفظ القرآن الكريم.
وفى المقابل ولمواجهة الأمية القرائية لطلاب المدارس فى ظل تدهور أحوال «الكتاتيب» وقلة أعدادها، كانت لمديرية التعليم بالقليوبية تجربة تحاكى «الكتاتيب» داخل المدارس، وهى مشروع «القرائية» الذى يجرى تنفيذه بمدارس المحافظة من خلال قيام المعلمين والموجهين بتعليم التلاميذ القراءة والكتابة فى الصفوف الأولى من مرحلة التعليم الابتدائى، وتعتمد تلك الطريقة الجديدة على نفس أسلوب «الكتاتيب» فى التحفيظ.
يقول رجب السعيد، إمام وخطيب ومحفظ قرآن كريم بمحافظة الشرقية «كان الكتاب أفضل مكان لتحفيظ القرآن، حيث يجلس التلاميذ بين يدى المعلم فى خشوع وسكون تام احتراماً للشيخ، واحتراماً للمصحف الذى يحملونه فى أياديهم، فى مرحلة طفولتنا كنا نتسابق على ختم القرآن، وكان آباؤنا وأمهاتنا من خلفنا يدفعوننا دفعاً إلى الحفظ والتجويد، وحث الشيخ على جلدنا وضربنا إذا قصرنا، ثم أصيبت مكاتب تحفيظ القرآن بآفة الدروس الخصوصية والحضانات، فانصرف الأطفال حالياً بمن فيهم تلاميذ المعاهد الأزهرية عن حفظ القرآن، أثناء العام الدراسى، لكنهم يقبلون على الكتاب بكثافة فى الإجازة الصيفية، وما إن تبدأ الدراسة حتى ينشغلوا عن حفظ القرآن ويهتموا بالدروس الخصوصية، ومع ذلك ينظم بعض التلاميذ أوقاتهم بشكل جيد ما بين المدارس فى الصباح والدروس والكُتاب عصراً». [ThirdImage]
ويقول أحمد جمال، محفظ شاب بمركز ديرب نجم بالشرقية، «قبل 17 سنة كنا نرتعد خوفاً عند سماع قرآن العصر فى ميكروفون المسجد، لأنه كان ينذرنا بقرب الذهاب للكتاب والجلوس بين يدى الشيخ، الواحد كان بيحس إنه رايح لقدره المحتوم، والويل كل الويل لمن لم يكمل حفظ مقرره اليومى من الآيات، كنا نجلس على الأرض أو على حصير بالٍ، وكنا نختم القرآن فى سنوات قليلة قبل أن نختمه فى المعهد الأزهرى، وكنا ندفع 5 جنيهات للشيخ كل شهر، وكان آباؤنا يزورون الكتاب لحث الشيخ على ضربنا وجلدنا إن قصرنا فى الحفظ ويقولون (الضرب ما بيموتش) هما كانوا خايفين علينا، وعاوزينا نحفظ القرآن ونكون أحسن منهم كمان».
يضيف أحمد جمال «إذا نظرنا إلى حال الكتاتيب اليوم سنجدها تعانى من بعض التغيرات، أجر المحفظ ارتفع 4 أضعاف وأصبح الآن 20 جنيهاً للطفل الواحد فى المجموعة الواحدة، لكنه يزيد على 100 جنيه للطفل الواحد فى البيت مثل الدروس الخصوصية، ما يدفعه الأطفال للمحفظين أقل بكثير مما يدفعونه إلى المدرسين، كما أن المكان الذى يدرسون فيه متوفر به كل عناصر الراحة، بالإضافة إلى توفير سبورة لتعليم القراءة والكتابة، ومدة التحفيظ ساعة واحدة فقط، وتكون يوماً بعد يوم، وغالباً بعد العصر لكن الدروس الخصوصية الأخرى تكون فى أى وقت من اليوم».
يتابع محفظ القرآن الكريم «يقوم الأزهر بترخيص الكتاتيب بعد امتحان المحفظين فى قطاع المعاهد الأزهرية بمدينة نصر، لكنه لا يدعمها مادياً، ولا يصرف مكافآت للمحفظين، ورغم ذلك تشهد إقبالاً لا بأس به من الأطفال الصغار الذين يشجعهم الآباء على حفظ القرآن خاصة من غير الأزهريين، وهؤلاء حفظهم للقرآن أمتن من بعض الأزهريين لأنهم يحظون برعاية كبيرة من الآباء، ويحفظ عندى حالياً 25 طالباً مقسمون على مجموعات، وأقل سن يحفظ معى 4 سنوات، وهو بداية الاستجابة للتعليم والحفظ».
«حتى خريجو الأزهر الآن لا يحفظون القرآن؛ لأن أساس الحفظ فى الكتاتيب، وكان المحفظون عندهم طول بال ولم يكونوا يحملون شهادات، ومع ذلك كانوا معتمدين من الأزهر الشريف لأنهم كانوا يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب»، هكذا تحدث جمال رمضان مأمون، أحد المسئولين عن إحدى الجمعيات العاملة فى تحفيظ القرآن الكريم فى إحدى قرى الدقهلية، عن أزمة اختفاء «الكتاتيب»، وأضاف: «فى قرية ديسط أنشأنا مبنى لتحفيظ القرآن بعد أن رأينا سيطرة السلفيين على عملية التحفيظ وبعدها اختفوا من القرية تماماً خاصة بعد ثورة 30 يونيو، فنحن نريد أن نحمى أبناءنا من الفكر المتطرف والغلو فى الدين، وفى نفس الوقت نريد أن يكونوا من الحفاظ للقرآن الكريم، وهى معادلة صعبة نريد تحقيقها»، وأشار إلى أن خريجى الأزهر الآن يحفظون بعض الأجزاء إلا أنهم غير مؤهلين للتحفيظ، لأن مخارج الحروف عندهم غير سليمة.
وقال محمد المهندس، أحد المسئولين عن ملتقى الخير فى منية النصر، إن حفظ القرآن متمركز فى منية النصر فى بعض القرى فى مقدمتها قرية ميت الخولى مؤمن التى يطلق عليها «القرية القرآنية» لتجاوز عدد حفظة القرآن فيها 1500 حافظ وبها 3 كتاتيب، منها كتاب الشيخ حسن مندور، الذى يحصل على المستوى الأول دائماً فى المسابقات، وبعدها قرية البجلات ذات التوجه السلفى الأكبر على مستوى المركز لوجود بعض مشايخ السلفيين بها، ويسيطر على بعض الكتاتيب فى قرية «الدراكسة» عناصر إخوانية، وأشار إلى أن دور الأوقاف معدوم فى جميع القرى ويتم بشكل اجتهادى فقط، وموجود فى مسجد واحد فى مدينة منية النصر فى مسجد العجمى بإشراف الشيخ محمد حلمى الذى يحفظ القرآن هو وزوجته وبشكل اجتهادى ولا يوجد أى دور أو رقابة من الأزهر أو الأوقاف.
وقال الشيخ صالح الشواف، إمام وخطيب: «هناك تقصير كبير فى العناية بدور القرآن والكتاتيب، ولعل هذا يرجع إلى انشغال الطلاب بالدروس الخصوصية التى تستغرق معظم يومهم، وكذلك انصراف بعض المحفظين سعياً فى طلب الرزق بسبب قلة الرواتب التى لا تكفى متطلبات حياتهم»، وقال مصدر مسئول بمديرية الأوقاف بالدقهلية، إن إحصائية المديرية تؤكد وجود 56 مكتب تحفيظ قرآن رسمى فقط، ومعظمها لا يعمل بشكل منتظم أو يعمل فى الإجازة الصيفية فقط فى قرى المحافظة (البالغ عددها نحو 465 قرية بخلاف التوابع والعزب، بالإضافة إلى 22 مدينة بمعدل مكتبين معتمدين فقط فى كل مدينة، وهو عدد لا يكفى لمحافظة يصل عدد سكانها إلى 7 ملايين نسمة، وأضاف: «يوجد 1079 عضو مقرأة وحلقة واحدة فقط معتمدة فى مدينة أجا، ولا يوجد غيرها فى المحافظة بالكامل، ما يؤكد تخلى الأوقاف عن دورها فى تحفيظ القرآن الكريم وترك المجال للتيارات الإسلامية المتشددة للتلاعب بعقول الأطفال».[ThirdQuote]
ويقول أسامة توفيق، مدرس قرآن كريم بمعهد فتيات أبوتيج الأزهرى فى أسيوط، إن الكتاتيب كانت ولا تزال الوسيلة الأقوى لحفظ كتاب الله الكريم، حيث يتحلق الطلاب حول شيخهم ويرددون آيات القرآن الكريم مرات ومرات ما يساعدهم على إتقان الحفظ وعدم النسيان، لكنها الآن تكاد تكون اختفت لأسباب عدة أهمها ضعف الإقبال على التعليم الدينى، وهو الأساس فى وجود الكتاتيب، حيث أقبل الطلاب وأولياء الأمور على الالتحاق بالمدارس العامة والابتعاد عن الأزهر الشريف، خاصة بعد الضجة الإعلامية على مستوى العالم، التى وصفت المسلمين بالإرهابيين والمتطرفين، رغم وسطية الأزهر وعدم مغالاة علمائه الأجلاء.
ويوضح يونس منصور، أحد أهالى أسيوط، أن «الكتاتيب» ما زالت موجودة بكثرة داخل قرى المحافظة، وتقوم بدور مهم وجليل فى تعليم مبادئ الدين وحفظ القرآن الكريم.
ويقول محمد كحول، من الأهالى، إنهم يعوضون اختفاء الكتاتيب بإرسال أبنائهم إلى الحضانة ليتعلموا التلقين والقراءة الصحيحة للحروف، ويتفق معه محمد حسنين موظف بالتربية والتعليم، أن لكل زمن وعهد متطلباته، مؤكداً أن «الكتاب» كان من متطلبات العصر الذى كانت شهادة الابتدائية فيه لها مكانة كبيرة، أما فى هذا العصر فأصبح العلم لا حدود له، منوهاً بأن «الكتاتيب» الآن يجرى استغلالها بشكل سيئ فى بعض الأحيان.
وفى مطروح، انخفضت أعداد الكتاتيب، بشكل ملحوظ، بعد أن تحولت عملية تحفيظ القرآن الكريم للأطفال وطلاب المدارس من عمل خيرى بدون مقابل إلى تجارة من أجل الحصول على المال، بجانب ظهور «كتاتيب» تابعة للأهالى من خلال «دار» تضم فصولاً لتحفيظ القرآن وتعليم القراءة مقابل الحصول على المال من أولياء أمور الأطفال. و50% من الكتاتيب يتولى أمرها السلفيون خاصة فى القرى والنجوع والمناطق الصحراوية، التى لا يصلها خريجو الأزهر والأئمة ويرفضون الإقامة بها لبعدها عن المدن وقلة إمكانات المعيشة بها، ويختلف الأمر داخل المدن فمعظمها كتاتيب تابعة للأزهر والأوقاف داخل المساجد، بالإضافة إلى كتاتيب تابعة للأهالى من خلال ما يُسمى «الدار التعليمية» أو «دار تحفيظ القرآن» وهى تشمل حفظ القرآن بجانب تعليم القراءة والكتابة، وهى تعتمد على تقديم خدمة مقابل المال.
ويقول عيسى عبدالغنى السمالوسى، موجه لغة عربية وتربية دينية من أهالى مطروح، إن من أهم الأسباب الرئيسية لاندثار «الكتاتيب» فى مطروح عدم اقتصار نشاط «الكتاب» حالياً على حفظ القرآن، والمفروض أن يتم الاكتفاء بتعليم القرآن فقط داخل الكتاتيب حتى يؤدى الغرض المطلوب منه، ولكن يبدأ الكتاب بتحفيظ القرآن وبعد ذلك يتحول لمركز لتعليم القراءة والكتابة، كما أن الغزو التكنولوجى فى الفترة الأخيرة كان له تأثير على «الكتاتيب»، وبدأ العديد من الأهالى يعتمدون على الأقراص المدمجة «cd» بجانب الإنترنت لسماع القرآن وتحميله على أجهزة الكمبيوتر والتليفونات المحمولة.
ويؤكد عارف زكريا، من محفظى القرآن بمطروح، أنه «من واقع تجربتى فإن أحد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض أعداد الكتاتيب بمطروح، هو انخفاض أجور المحفظين بالكتاتيب ومراكز تحفيظ القرآن، التى تتراوح ما بين 200 و300 جنيه شهرياً للمحفظ، فى حين يدفع من يرغب فى الحفظ شهرياً ما بين 15 و20 جنيهاً. وتعد مدن مرسى مطروح وسيوة والضبعة من أبرز المناطق التى يوجد بها كتاتيب».
وقال مدير عام منطقة مطروح الأزهرية، الشيخ نجيب صالح، إنه يوجد حوالى 100 كُتاب على مستوى المحافظة مرخصة ويشرف عليها الأزهر فنياً، مشيراً إلى أن أعداد الكتاتيب قلت حالياً عن السنوات الماضية بسبب عدم حصول المحفظين على رواتب، فالأزهر كان يصرف لهم رواتب قبل ذلك وتوقف ذلك فى الوقت الحالى.