"جرائم" لا تُغتفر فى كتب التراث
تحتوى كتب التراث على عدد كبير من العناوين التى بعضها يرجع للقرنين الرابع والخامس الهجرى، وهى كتب خلفها السلف السابق من حديث وتفسير وعقيدة وفقه، أى العلوم المرتبطة بكتاب الله وسنة رسوله. ولسنوات طويلة ظلت كتب التراث تمثل مناهج تعليمية فى جامعة الأزهر الشريف، ودرسها الطلاب دون أن تخضع لإعادة نظر أو تدقيق فى محتواها، ودون أن تطرأ عليها تعديلات أو تجديدات.
وفى الآونة الأخيرة أثارت كتب التراث جدلاً كبيراً، لما تضمنه بعضها من أفكار تتسم بالتطرف وبعضها ضعيف السند أو مغلوط، كما أجمع كثير من العلماء على أن تلك الكتب تحتوى نصوصاً لا تتناسب مع الزمن الحالى، وبعضها ارتبط بوقائع خاصة لا تتعدى أحكامها غيرها من الوقائع. ويقول حامد أبوطالب، عميد كلية الشريعة والقانون، إن كتب التراث يجب ألا يطلع عليها العوام من الناس بطريقة عشوائية، وإن المختصين بها هم الطلاب الأزهريون المتخصصون فى ذلك النوع من الدراسات الإسلامية ليكونوا حجة واضحة ضد أى مشكك فى مسائل الدين وشئونه، وأكمل قائلاً «اللى عمله إسلام البحيرى ده غلط تماماً، إنه يقتطف بعض الآراء والأمور من كتب التراث، ويعرضها على العامة من الناس غير المتخصصين، وده يضر أكثر مما ينفع».
وأوضح أبوطالب أن كتب التراث تخضع الآن للمراجعة والتدقيق فى الأمثلة الواردة فيها وتحديثها بما يتناسب مع العصر، فإذا تم ذكر مثل يرتبط بزواج الجارية البكر ووجد صاحبها أنها سيب، فيردها مرة أخرى، يتم تعديل المثل تماماً لأنه لم تعد هناك جوارٍ فى عصرنا ويكتب المثل أنه إذا قام المرء بشراء سيارة جديدة واكتشف أنها مستعملة من حقه وقف التعاقد، ومن يقوم بذلك التدقيق والمراجعة والتعديل لجان علمية متخصصة فى مشيخة الأزهر، حيث يعملون على تحديث تلك الكتب بما يتناسب مع لغة العصر الحالى، خاصة أنها كتبت فى القرن الرابع والخامس الهجرى، وتمثل منهجية اتبعها المسلمون منذ قديم الأزل غير أن بها بعض المفاهيم والأساليب التى لم تعد تناسب الفترة الزمنية الحالية.
وأضاف أبوطالب أن بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة، أرجعت أعمالها الإرهابية لكتب ابن تيمية، متغافلين الظروف التى كتبت فيها، وما شهده ابن تيمية من بشاعات الحروب خاصة بعد الغزو الصليبى وقتل الرجال والنساء، فكل ما ذكر فى تلك الكتب من نحر العنق وبث الرعب فى قلوب الأعداء وتقطيع الأيدى وغيرها، هى أفعال ترتبط بالفترة التى عاش فيها، وظهرت كرد فعل على ما شهده من بشاعات حروب الصليبيين، أما فيما يخص الحدود الإسلامية الصريحة مثل قطع يد السارق، فهى ترتبط أيضاً بطبيعة المجتمعات، فلو كان أئمة التراث عاصروا مجتمعنا المصرى الآن، حيث يضم أكثر من 40% من الفقراء، من المستحيل أن يدعوا لقطع يد السارق، وأكمل قائلاً «فى الأزهر نهتم بالمناهج الدراسية التى تتناسب مع الفئة العمرية للطلاب، فما تراود على ذهن العامة أننا نعطى لطالب عمره 15 عاماً كتب تراث صعبة الفهم، فهو مخطئ تماماً». وأوضح هيثم أبوزيد، الباحث فى الحركات الإسلامية، أن كتب التراث تشمل آراء متطرفة، وأفكاراً غير تقدمية تعود بنا عصوراً إلى الوراء، وأنه من المنطقى حذفها بالكامل من المناهج الدراسية للطلاب، لأننا لا نريد جيلاً جديداً من الشباب الذى يعتنق معتقدات متطرفة ويمكن تطويعه لتدمير دول وأنظمة بالكامل، وأضاف «من يتحدث عن إعادة النظر ومراجعة كتب التراث، وحذف الأفكار المتطرفة منها أو تعديلها، هو شخص واهم، وذلك لعدة أسباب أنه سيصبح لدينا عدد من النسخ المختلفة من الكتب التى يتنازع عليها العلماء والشيوخ، فمن سيقرر أن هذا الجزء يجب حذفه أم لا؟ وهل هو صحيح السند أم لا؟ هذه عملية غير منضبطة وغير دقيقة على الإطلاق».