هناك فرص متعددة تشعرك بأنك أقلية، ليس كونك تنتمى لجماعة صغيرة فقط نسبة لحجم الكل، إنما هى معاناتك لاعتقادك أنك وحيد فيما أنت فيه دون حقك فى التعبير عن اختلافك ودون تمتعك بحقوقك كاملة بعد إفصاحك، ويزيد إحساسك بالتمييز ضدك كلما زاد اختلافك وخلافك مع الجميع، فتصمت، ويزيد الجميع بمن يشبهونك، صامتين دفعاً لضرر يزيد هو الآخر، أقله أن يتركك الكل وحيداً يقولون أنت سيئ فقط لأنك لا تشبههم!
عندما يتحول كثير من المجتمع، خاصة نخبه لتلك الأغلبية الصامتة التى لا ترضى ولا تُفصح، تعيش كأنها تموت، يحيا الفساد ويمر، يتقدم الزمن ويتراجع الوطن ويضل العوَّام، ثم يخرج عليهم ثائرون لم يصمتوا يوماً ظلوا أقلية فيحدثون فرقاً رغم ضآلتهم فيرى الصامتون المُكرهون رايات انتصارهم فيبدلون مواقعهم تاركين صفوف الأغلبية ويعودون أقلية تعبر عنهم، فلما يحقق الجميع انتصاراً أكبر، تترك الأغلبية الخاضعة لسنوات الفاسدة لسنوات مقاعدها هى أيضاً لتلحق بالمعسكر المنتصر، وتصمت هى هذه المرة حتى تأمن وتحيا فى رعاية المنتصر مُدعية الإيمان بأفكاره معتنقة دينه مرددة شعاراته ليقبلها.
يفسر ما سبق حالنا حتى قيام ثورة ٢٥ يناير وإلحاقها بـ٣٠ يونيو، إلى أن عادت اليوم أصوات الغالبية الصامتة «إياها» لترتفع وتكتم على نفس الجميع، تحتكر الحق رغم أنها كثيراً صامتة عنه، وحدها أغلبية دون استحقاق -سيطرتها بالدراع- وحتى تضمن نجاحها بدلت الاسم بما يليق بمصر الجديدة إلى «الوطنية المصطفة» أصبحت توافق وتبارك بذريعة أننا يجب أن نكون صفاً واحداً أمام العدو، أى عدو؟ وأن كل من يخرج عن الصف مشكوك فى وطنيته وكل من ينتقد أو يقول «مش عاجبنى» لا يقدر اللحظة الحرجة التى يمر بها الوطن.
جرب أن تجالس بعضاً من المواطنين الشرفاء من الأغلبية المصطفة وسمِّ اسماً لشخصية عامة كاتباً أو سياسياً أو فناناً أو حتى لاعب كرة قدم موهوباً لكنه حين عبر عن رأيه حيال قضية ما لم يكن مصطفاً كما أرادوا، ستعلو أصواتهم على بعضهم البعض فى مزايدة لن ترى لها مثيلاً ستسمعهم يقولون دون اتفاق «أعوذ بالله دا وحش ملناش دعوة بيه» الوحش يا سادة هو من يحتكر الحق وهو يجانبه.
لماذا تقدمت دول عربية وغير عربية استوردت خدماتها ونُظمها من مجتمعات تقدمت وسبقتها، واستقدمت الأجانب لإدارتها إن كان النجاح لا يأتى إلا بأيادى الوطنيين فكيف نجحوا؟ كيف لمن لم يعتنقوا الإسلام يوماً أن ينتصروا إذا كان الله ينصر المسلمين دون غيرهم لتوحيدهم فقط؟!
الأغلبية المصطفة لن تدوم هذه المرة، فالأقلية لن تنحسر أو تسكت، سيظل بمقدور الكثيرين أن يقولوا إنه إن لم يكن تسمم ٥٠٠ شخص من محافظة واحدة مرة واحدة بفعل المياه الملوثة، فهذا لا يعنى أن أحدهم لم يخطئ، كما يعنى أن أحدهم مدين لنا بتفسير وشرح، غير أن يقول إننا نتعامل مع كفرة «سَمّونا وإحنا سيبناهم».
ورطة فعلاً، كيف يصادف الرئيس شباباً فاعلاً واعداً بأمل ومستقبل عظيم كلما ذهب فى جولة تفقدية لأحد المواقع، ولا أبتهج، وتظل تشغلنى موضوعات أخرى لن تملأ جيوبى ذهباً مثل تصريح نائب رئيس هيئة الاستشعار لأحد البرامج بأننا بهدف إطلاق قمر صناعى مصرى تماماً عام ٢٠٢٠ وأن كل ما أُشيع عن فقدنا للقمر الصناعى المصرى سات ٢ تلفيق ممن لا يريدون للبلاد أن تستقر، ورغم أن هناك حقيقة ثابتة وهى أننا بالفعل فقدنا القمر الصناعى سات ١ عام ٢٠١٠ فإننى على ثقة أن القمر طالما مصرى فهو راجع إن شاء الله وإن مصر مذكورة فى القرآن وما تجاوز ذلك لا يهدف إلا لتكسير «مجاديفنا» -تاهت ولقيناها- لزومه إيه الحساب ولزومها إيه الكفاءات!