"الإدارية العليا" تناشد: لا تسمحوا لضعاف الفكر أن يعتلوا منصات القضاء
حصلت «الوطن» على نسخة من رصدت بعض المخالفات الصارخة فى التعيين بالوظائف القضائية خلال عدة سنوات فائتة، بدءاً من شروط التقدم للترشح لشغل الوظيفة مروراً بالتدخل الأمنى والمقابلة الشخصية واستبعاد مرشحين لفقر الوالد تحت مسمى سوء السمعة، وأخيراً إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية التى يحصل عليها الطاعنون فى استبعادهم، والتي عرضها الدكتور فتحى فكرى، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وعضو لجنة العشرة لوضع الدستور، في كتابه الذى أصدره مؤخراً وعرض فيه نتائج دراسة تحليلية أجراها بعنوان «اتجاهات المحكمة الإدارية العليا فى التعيين بالوظائف القضائية»
وتناولت الدراسة فى المبحث الأول موضوع المحكمة المختصة إذ خلصت الدراسة إلى أنه يمكن أن ترفع الدعوى فى الميعاد أمام محكمة القضاء الإدارى فتحيلها إلى المحكمة الإدارية العليا، لتقضى الأخيرة برفض الإحالة، مما يفرض على المدعى إعادة رفع الدعوى، فإذا أخطأ فى ميعاد الدعوى الجديدة أهدر حقه مهما كان القانون فى صف مطالبه.
وفيما يتعلق بالتظلم الإجبارى توصلت الدراسة إلى أن التعيينات التى جرت عام 2002 بالنيابة الإدارية قد لابسها قدر من الارتباك، والدليل على ذلك مشروع القرار الجمهورى بتعيين بعض من تخطاهم القرار الأول وإعراض الجهات المعنية عن استكمال إجراءات الإصدار منذ صدور القرار الجمهورى فى 2005 وحتى تقديم الطعن فى 2011، فضلاً عن السماح للمتظلم فى دفعة 2002 بإعادة المقابلة الشخصية مع دفعة 2005.
وفى المبحث الثانى تناولت الدراسة صلاحية المرشح للتعيين بالقضاء. وأشار الكاتب إلى أن الصلاحية لتولى الوظيفة القضائية تنقسم إلى صلاحية عامة تنطبق على كل الوظائف كحسن السمعة والصلاحية الاجتماعية والطبية، فضلاً عن الصلاحية الخاصة «أهلية تولى القضاء» التى تستخلص من المقابلات الشخصية التى يخضع لها المرشح قبل تولى مهام الوظيفة.
وبخصوص حسن السمعة أكدت الدراسة أن الرافد الأساسى لتلمس حسن السمعة يتمثل فى التحريات التى تتولاها الأجهزة الأمنية، والإشكالية تكمن فى أن مصطلح الأسرة يمكن أن يؤخذ بمعنى ضيق «الأب والأم والأشقاء» أو يحمل على مفهوم واسع بحيث تتمدد دائرة التحرى لتشمل الأعمام والأخوال وأبناءهم وربما أصهارهم أيضاً، ويحمد للمحكمة الإدارية العليا انحيازها للتفسير الأول واطراد أحكامها عليه.
وتتعمق المخالفة إذا كانت الجريمة المنسوبة لهؤلاء قد تقادم العهد بها، وفى الوقت نفسه لم تحل دون تقلد أحد أفراد أسرة الطاعن لوظيفة تتطلب درجة عالية لحسن السمعة، وصور هذا الفرض حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر عام 2008، الذى أبان أن جهة الإدارة قد استندت فى استبعاد الطاعن من التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة إلى أن عمه قد اتهم فى جناية قتل عمد، ولما كانت هذه التهمة قد تمت قبل ميلاد الطاعن بحوالى عشرين سنة، إضافة إلى أن والده الذى يشغل وظيفة نائب رئيس بالهيئة المطعون ضدها وهو ينتمى إلى هيئة قضائية قد عين عام 1975 بعد واقعة الاتهام المشار إليها ولم تقف عائقاً عند تعيينه بالهيئة المطعون ضدها، فضلاً عن أن أخاه الأكبر التحق بكلية الشرطة وتخرج فيها عام 2006 ولم تمنعه هذه التهمة من الالتحاق بكلية الشرطة. وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها بقبول الطعن: «إنه ومن حيث إن شرط حسن السمعة من الشروط التى يتعين توافرها فى الطالب وذويه من أسرته التى يتأثر الطالب بمسلكهم ولا يتعين مؤاخذته على مسلك أقاربه الذين لا ينعكس مسلكهم على سمعته وسيرته، خاصة أن البادى من الأوراق أن والد الطاعن ممن ينتسبون إلى الهيئات القضائية، وهو ما يعكس على الطالب وأسرته حسن السمعة والسيرة».
ولا يجوز بحال شرعاً وقانوناً مؤاخذة الطالب المتفوق الحاصل على تقدير تراكمى «جيد جداً»، على ذنب لم يرتكبه مما يؤثر فى مستقبله الذى سهر الليالى من أجله، مما يحطم آماله، وفى الوقت ذاته لا جدوى من محاسبته على أفعال أحد أقاربه حسنت سيرته فيما بعد ورد إليه اعتباره، وإذا كان الله سبحانه وتعالى خالق العباد يغفر الذنوب لمن تاب ويمحو الخطايا لمن أناب، فلا أقل من أن يسترشد العباد فى هذه المجالات بأسس الشريعة السمحاء مرضاة لوجه الله وحفاظاً على آمال الشباب من الضياع.
وطالبت الدراسة بضرورة التغاضى عن القضايا التى تمس الشرف أو النزاهة، حيث تذرعت جهة الإدارة أحياناً ببعض القضايا المنسوبة لأحد أفراد الأسرة بالمعنى الضيق لتبرير تجاوز المرشح فى الالتحاق بوظيفة قضائية رغم أنها لا تمس الشرف والنزاهة، إلا أن المحكمة الإدارية العليا أدانت هذا النهج قاضية غير مرة ببطلان قرارات التخطى المشوبة بهذا المثلب.
ففى حكم صدر عام 2013 أعلنت قمة المحاكم الإدارية أن تخطى الطاعن فى التعيين مرده لأسباب حاصلها أن التحريات الأمنية السياسية والجنائية الواردة عن الطاعن لم تأتِ بالمستوى المطلوب للتعيين بالمجلس وإن كانت قررت أنه لا مانع من الناحية السياسية أو من الناحية الجنائية حيث رفضت المحكمة اعتبار التهمة التى حكم فيها على والد الطاعن بالغرامة بمبلغ خمسين جنيهاً وتلك التى قضى فيها بتغريمه عشرة جنيهات لا ترقى لمستوى الجرائم المخلة بالشرف ولا تمس الاعتبار، وبالتالى لا تعوق الطاعن وانضمامه لعضوية مجلس الدولة.
وقال صاحب الدراسة إن هذا النهج وضع نصب عينيه المشكلات التى يموج بها المجتمع والصراعات التى تتولد عنها مما قد يضع الشخص فى موقف ضاغط ربما انفجر فى صور فعل مؤثم، إلا أن الفعل رغم تجريمه لا يكشف عن سلوك معوج أو ميل إجرامى، إنما هو فى حقيقته مسلك عابر أو طارئ ومن ثم لا يصح أن يظل يطارد الإنسان وذويه أبد الآبدين.
أضف إلى ذلك أن هناك جهات، خصوصاً فى الريف، تلجأ إلى تحرير محاضر تبديد مكتبية، أى دون النزول إلى أرض الواقع، ومواجهة أصحاب الشأن بما هو مفترض اقترافهم له، وغالباً ما تنتهى الدعاوى المنبثقة عن تلك المحاضر بالبراءة أو الصلح، ومع ذلك لا تفتأ التحريات من تداولها بالنسبة للأبناء لتمنع عنهم وظائف لهم كل الحق فى تقلدها والاضطلاع بمسئولياتها.