حين سالت دماء أبنائنا على أرض سيناء، وهم يتناولون إفطارهم فى رمضان المنقضى.. سالت دماؤنا جميعاً وغلت فى العروق والشرايين.. الجرح بات فى قلب القلب.. والخوف على سيناء تحول إلى واقع يغرس مخالبه كل يوم فى أرض الفيروز.. ثلث مساحة مصر وبوابتها الشرقية..!
غير أن الإعلان عن بدء عملية «نسر» لتطهير سيناء من الإرهاب أعاد إلى أعماقنا هدوءاً مشوباً بالخوف على من سيحاربون هناك.. قال المواطنون لأنفسهم يومها: طار النسر رمز الدولة من العلم، وذهب لإعادة سيناء إلى حضنها «الأم».. مرت الأيام والليالى، وتصريحات قادة «نسر» تنهال علينا.. «هاجمنا معاقل الإرهابيين.. طهّرنا بؤر الإجرام.. ألقينا القبض على تنظيمات خطيرة.. القوات والطائرات تداهم أوكار العنف».. كانت التصريحات تتناقض دائماً مع ما يحدث على الأرض؛ إذ تواترت الأخبار دائماً عن هجمات للإرهابيين على قواتنا الأمنية، بينما تعالت أصوات أهل سيناء: لا وجود لـ«العملية نسر» أصلاً..!
هل كان «النسر» كائناً وهمياً، طار إلى سيناء ليتفرج على ما يحدث، دون أن يطرف له جفن؟! هل كان «نسراً» إعلامياً أعاد ذاكرتنا الموجوعة إلى بيانات إذاعة «صوت العرب» فى حرب 67؟! ولماذا يتواصل نزيف الدم فى سيناء، ليموت ضباط وجنود قذفهم حظهم العاثر إلى مواجهة «وهمية» مع عدو لا يرونه، بل إنه أقوى تسليحاً منهم، وأكثر فاعلية على الأرض..؟!
أطرح هذه التساؤلات بصفتى مواطناً مثلك، له حقوق كثيرة.. أهمها أن لى ولك نصيباً فى هذه الأرض التى تضيع، ثم إن لى ولك الحق فى معرفة ما يحدث هناك، حتى لا نصحو ذات صباح على خبر كارثى «سيناء خارج مصر.. سيناء إمارة إسلامية»، وقتها سوف ننهمك فى توزيع وتبادل الاتهامات: من المسئول؟! وهذا سمتنا الدائم مع الأزمات والكوارث الكبرى..!
ما يحدث فى سيناء الآن يمنحنا الحق فى محاسبة الكثيرين.. والأسئلة أكثر اتساعاً من أرضنا الغالية: هل كانت العملية «نسر» من أخطاء وخطايا المجلس العسكرى فى المرحلة الانتقالية..؟! هل حاول من كانوا يديرون البلد وقتها توظيفها سياسياً لمصالحهم فى الحكم..؟! لماذا لم تؤت العمليات ثمارها، وكيف تدهور الوضع الأمنى والقبَلى والشعبى فى سيناء، رغم عمل أجهزة سيادية كبرى هناك..؟! هل تابع الرئيس محمد مرسى سير العمليات وهو الذى قال إنه سيقود «نسر» بنفسه ولن يترك سيناء فى هذه الأوضاع..؟! هل تحولت سيناء إلى «ملعب» لأجهزة مخابرات وجماعات وتنظيمات خارجية..؟! وما حقيقة وجود تنظيم «القاعدة» وسط الجبال.. وكيف تفشل الدولة فى تضميد جروح أهالى سيناء، ولمّ شملهم واستعادتهم إلى حضن مصر الدافئ، بعد سنوات طويلة من الإهمال والتجاهل والقمع الجماعى..؟!
هذا وجعى أسكبه حروفاً دامعة ودامية.. وجع وطن ينزف أرضه واستقراره، بينما أبناؤه ممن يتصدرون الحكم والمعارضة مشغولون بجمع الغنائم وتقسيم المكاسب.. وحين تضيع سيناء سوف يظهرون على شاشات التليفزيون للتنظير والصراخ، وكأن الميت لا يخصهم.. ولكن الله عز وجل سوف يحاسبهم، إن لم يحاسبهم الوطن، على شباب فى عمر الزهور يفقدون حياتهم دون معركة، وأرض بكر لم يمسسها بشر تغادرنا فى هدوء، ومواطنين يعيشون على هامش الحياة، يصحون فى سيناء كل صباح ليسألوا بعضهم بعضاً: هوّه كان «نسر» ولا «عصفورة»؟!!