بروفايل| "ميدان تقسيم".. "كعبة احتجاج" تهدد بقاء حفيد العثمانيين
من قلب المدينة، تظهر الاحتجاجات التي تأتي التغيير، وتخلق البدايات التي تخرج من رحم التقسيم والتفتيت للعصر البائد، وبمرور الوقت وتغيير الحكم، تحمل كل منطقة عبيرًا من هذا التحول بمختلف دول العالم، حيث لم يكن يدري السلطان العثماني محمود الأول، عند بنائه لساحة "تقسيم" والتي تعني التوزيع، كمنطقة لتجمع خطوط المياه الرئيسية من شمال إسطنبول، وتتفرع إلى أجزاء أخرى من المدينة، أنها ستكون شاهدًا ومسرحًا سياسيًا هامًا على مدار التاريخ بعدها، آخرها مظاهرات العمال الأتراك للاحتفال بالعيد العالمي لهم، على الرغم من منع الشرطة دخولهم، ما أدى إلى اعتقال الكثيرين وإصابة آخرين.
خلال العام الماضي، ورغم الشهرة السياحية للميدان، طغت شهرته السياسية على الميدان عالميًا، لأنه شهد أحداثًا سياسية عنيفة، وخرجت إليه مئات الآلاف من المعارضين لحكم الرئيس التركي الآن، رئيس الوزراء حينها، رجب طيب أردوغان، وتصدى الأمن لهم بالرصاص، والغازات المسيلة للدموع مما تسبب في سقوط قتلى ومصابين.
ما يقرب من 100 عام مرت على إنشاء الساحة، ولايزال الميدان روح وقلب تركيا النابض، وعليه يحل السياح بكثرة بسبب مزاراته، والأماكن الأثرية، والترفيهية فيه، والمحلات التجارية من مطاعم وفنادق، فضلًا عن نصب الجمهورية الذي تم بنائه في 1928.
ورغم مكانته السياحية إلا أنه أصبح رمزًا للاحتجاج الشعبي، ففي 16 فبراير 1969، شهد الميدان إصابة حوالي 150 متظاهرًا يساريًا خلال مصادمات مع جماعات يمينية بما يعرف بـ"الأحد الدامي".
"مجزرة تقسيم" كانت الحدث الأكبر الذي شهده الميدان، في يوم عيد العمال في 1 مايو 1977، عندما قتل 36 متظاهرًا على يد مجهولين يزعم أنهم مسلحون يمينيون.
وبسبب كثرة حوادث العنف المتتالية بالمنطقة قامت الشرطة التركية بحظر جميع أشكال التظاهر الجماعي في الميدان، وكثفت من تواجدها به، حتى عام 2010 الذي سمحت فيه بتجمع كبير للعمال في عيدهم مرة أخرى، وظل سلميًا منذ ذلك الحين.
الأحداث التي مرت على الميدان لم تكن احتجاجات سياسية وعمالية فقط، بل شهد أعمال شغب من مشجعي كرة القدم عام 2000 عندما طُعن اثنين من مشجعي ليدز يونايتيد حتى الموت خلال مصادمات مع مشجعي غلاطة سراي، كما تم تفجير انتحاري قرب حافلة للشرطة، أدى إلى إصابة 15 ضابط شرطة و17 مدنيًا، في 31 أكتوبر 2010.
تجمعات ليلة رأس السنة، ويوم الجمهورية، والعروض على شاشات كبيرة لمباريات كرة القدم المهمة مستثناة من الحظر، وأيضًا مسيرة "إسطنبول برايد للمثليين"، كلها أحداثًا متعاقبة من قبل الأتراك لمصالحهم الشخصية، إلا أنه منذ 26 مايو 2013 تواجدت بـ"التقسيم" أول مظاهرات من أجله لمعارضة قطع الأشجار في حديقته لإعادة بناء ثكنات عثمانية، وجعلها مركزًا تجاريًا.
وبسبب الأهمية الشديدة للميدان وصفه رئيس الحزب الديمقراطي الشعبي الكردي، صلاح دميرطاش، في تصريحاته الخاصة بمناسبة ذكرى عيد العمال: "بغضّ النظر عن التشبيه الديني الذي سأقوم به، ولكن كما يذهب المسلمون إلى الكعبة لأداء الحج، وكما يذهب الموسويون إلى القدس لأداء الحج، كذلك يعتبر ميدان تقسيم جزءً لا يتجزّأ من مراسم احتفال العمال، حيث لكلّ منهم مركزه الديني الخاص به الذي لا يمكن له إقامة شعائره خارجه".